التحولات البنيوية الدولية وانعكاساتها الاستراتيجية على العراق والموصل

كان العراق ومايزال واحد من اهم المرتكزات الاقليمية والدولية لإجراء عمليات التغيير الاستراتيجي على مستوى النظام الدولي ، ولعل هذه الاهمية اصبحت واضحة بشكل كبير لاسيما بعد عام 1991 حينما انهار الاتحاد السوفيتي وكانت الادارة الامريكية بحاجة لإثبات قوتها العالمية للعالم من خلال حرب ، فجاءت حرب الخليج الثانية مصداقاً للأحادية القطبية واثبات وزن الولايات المتحدة الامريكية العالمي وإعلانها القطبية الاحادية بعد هذه الحرب والنظام العالمي الجديد ، بينما كانت الحرب على العراق عام 2003 احدى اهم الاسباب التي قادت لحدوث ازمة مالية من ثم اقتصادية عالمية عام 2007 مما قاد لانهيار فكرة القطبية الاحادية الصلبة وتحول النظام الدولي الى شراكة تحت القيادة الامريكية بعد ان كان النظام يوصف على انه نظام احادي القطبية بفعل ما انفقته الادارة الامريكية على هذه الحرب ، والذي قاد من جهة اخرى لانسحاب القوات الامريكية من العراق عام 2011 بشكل نهائي بعد 9 اعوام على الاحتلال .
لم يتوقف العراق عن تقديم فرص اضافية للتغيير على مستوى النظام الدولي عند هذا الحد فقط بل كان عام 2014 واحد من اهم الاعوام لتشكيل اكبر تحالف دولي عالمي بعد سيطرة تنظيم داعش الارهابي على الموصل ، حيث لم تشهد البشرية هذا العدد من الدول المتحالفة عسكرياً (اكثر من 70 دولة) لتظهر هنا ملامح القيادة الامريكية القائمة على اساس التشاركية ، وهذا دليل على ان النظام الدولي لم يكن نظاماً احادي القطب بل كان نظاماً متعدد الاقطاب تحت القيادة الامريكية .
موقع الموصل الاستراتيجي في تفاعلات النظام الدولي من زاوية الرؤية الاقليمية
تمثل الموصل احدى اهم المناطق الرخوة التي جاءت بتغيرات جسيمة على مستوى النظام الاقليمي ووصلت تأثيراتها غير المباشرة الى مستوى النظام الدولي ، ولعل دراسة حجم تأثير الموصل يمكن النظر اليه من زاوية مشروعين اساسيين هما :

اولاً : المشروع الايراني في الشرق الاوسط وانعكاساته الدولية

  1. بداية النفوذ الايراني العميق : ان سيطرة تنظيم داعش الارهابي عام 2014 على الموصل والمحافظات الاخرى مكن وبشكل كبير من تغير طبيعة التوازن الاقليمي ، حيث لم يكن لإيران نفوذ واضح في محافظة نينوى والانبار وصلاح الدين وكركوك ، بينما اصبح النفوذ الايراني واضح في هذه المحافظات بعد عام 2017 على المستوى الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي .
  2. الحدود : يدرك الجانب الايراني اهمية الموصل الاستراتيجية والاقتصادية لاسيما انها واحدة من اهم محافظات العراق التي تمتلك حدود مع الجانب السوري تقدر بأكثر من 300 كلم .
  3. المد الاقليمي : ان اهتمام الجانب الايراني بفكرة السيطرة على الحدود جعل الموصل تمثل الخط الاستراتيجي الثالث بالنسبة لإيران بعد خط (ميناء الخميني البصرة بغداد الانبار سوريا ، وخط طهران ديالى بغداد الانبار سوريا ) .
  4. البرنامج النووي : على هذا الاساس تم استخدام الموصل كواحدة من اهم المنطلقات الايرانية للتمكن الاقليمي من اجل توفير اوراق ضغط ولعب استراتيجية دولية لاسيما اذا ما علمنا ان العراق بشكل عام والموصل من ضمنه مثلى الخطوة الاولى نحو مشروع ايران الاستراتيجي في الشرق الاوسط اتجاه سوريا ولبنان من اجل توفير بدائل اقتصادية لتقليل من نجاعة الحصار الدولي المفروض عليها بسبب الملف النووي الايراني.
    ثانياً : المشروع التركي في الشرق الاوسط وانعكاساته العالمية
  5. الاحقية التاريخية والجغرافية : تمثل الموصل واحدة من اهم منطلقات مشروع الاحقية التاريخي والجغرافي التركي في المنطقة . ولطالما تحدث الجانب التركي بصورة مباشرة وغير مباشرة عن اهمية الموصل بالنسبة لتركيا من زوايا التاريخ والجغرافيا .
  6. البعد الاقتصادي : كانت الموصل وماتزال واحدة من اهم الاسواق المهمة بالنسبة للبضائع والسلع التركية في الشرق الاوسط بسبب القرب الجغرافي .
  7. المسوغ القومي : ان وجود حزب العمال الكردستاني بالقرب من الموصل (في منطلقة سنجار) يسوغ التدخل التركي المستمر بالإضافة لتوظيف المسوغ القومي المتعلق بحماية التركمان في هذه المنطقة.
  8. الردع العسكري : ان التواجد العسكري التركي في منطقة زليكان في بعشيقة قرب الموصل فيه اهداف عدة اهمها تحقيق نوع من انواع الردع اتجاه حزب العمال الكردستاني وتحقيق نوع من الثقل العسكري في مناطق شمال العراق واعتبار هذا التواجد كنقطة ارتكاز مركزية قد تتطور مستقبلاً الى قواعد رسمية اكبر.
    اليات التعامل مع القوى الكبرى وتوظيف المتغيرات الدولية
    على الرغم من ارتباط محافظة نينوى ارتباطاً وثيقاً ببغداد وقراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية ، الا ان الدستور منح المحافظات صلاحيات يمكن توظيفها لتعميق التواصل بين المحافظة والعالم الخارجي ، هذه الصلاحيات من الصعب تفعيلها بدون وجود طرف حقيقي يمثل المحافظة يأخذ على عاتقه عملية ربط المصالح الداخلية مع المصالح الخارجية بما يتفق مع القوانين واللوائح الدستورية وقانون 21 لادارة المحافظات غير المنتظمة بإقليم . ولعل ابرز هذه الاليات تكمن في :
  9. التمثيل السياسي الرصين : حيث ان تصدر جهة سياسية رصينة وموثوقة تمثل المحافظة تمثيلاً حقيقياً سيفتح الباب امام المحافظة لجلب استثمارات وتعاون عالمي كبير وذلك لان تتعامل القوى الكبرى تتعامل مع من يتواجد في السلطة ، ولما كانت محافظة نينوى سياسياً مقسمة بشكل بارز بين 4 الى 5 كتل سياسية اغلبها تقاد من زعامات خارج المحافظة ، فلا فرصة واضحة على توجه دولي او اقليمي اتجاه المحافظة. لهذا بدون وجود الغطاء السياسي ستكون المحافظة في هامش التفاعل.
  10. الكتلة النقدية والاقتصادية : ان تطور الاقتصاد هو حاصل تطور السياسة وهي علاقة تصاعدية متداخلة ، حيث كلما تطورت السياسة تطور الاقتصاد والعكس صحيح . وللتعامل الدولي الحديث في الوقت الراهن يقوم على اساس الانظمة النقدية والتجارية والمصرفية المرقمنة ، وقوانين الاستثمار الميسرة . من بين كل ذلك يمكن وفي ظل ظروف اقتصادية مناسبة ان تتحول الكتلة النقدية الكبيرة الى فرصة استثمارية واعدة ، وهي كتلة لاتستحوذ عليها المصارف الاهلية والحكومية بل هي كتلة موجودة بدون استثمار حقيقي في منازل المواطنين ، حيث ان تحويل هذه الكتلة الى عمل من شأنه ان يعمق التواصل مع مختلف الشركات العالمية ويجلب استثمارات اجنبية متنوعة.
  11. الملف الامني : ولما كان الاقتصاد والسياسة يمثلان وجهان لعملة واحدة ، فانه بدون الامن والسيطرة عليه وعلى قراراته لن يكون هناك بيئة ساندة حقيقية لتعميق التعاون ، وهذا يعود بنا للحديث عن التمثيل السياسي الذي نتحدث عنه ، حيث كلما كان القرار الامني مسيطر عليه وتحت نفوذ مظلة الموصل السياسية كلما كانت القدرة على تحقيق وتعميق الاستقرار اعلى.
  12. تطوير البنى التحتية الرئيسية في المحافظة : وهذا التطوير لن يتحقق الا عبر وجود مظلة سياسية حامية المكتسبات،حيث ان الواصل التجاري والاقتصادي مع العالم يحتاج لمطارات وطرق دولية برية عملاقة والى منظومة حوكمة الالكترونية تربط المحافظة بالعالم المتقدم .ليس هذا فحسب بل ان وجود مرافق سياحية كالفنادق والملاعب الكبيرة وتنشيط حركة السياحة الاثارية والسياحة الترفيهية سيسهم بشكل كبير في جلب العملة الصعبة داخل المحافظة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *