العراق وتأثيرات إعادة ترتيب القوى الإقليمية في الشرق الأوسط ..
أ.م .د.محمود عزو حمدو
كلية العلوم السياسية / جامعة الموصل
تشكل منطقة الشرق الأوسط ضمن الحسابات الاستراتيجية للقوى الكبرى منطقة تلاقي او تقاطع نفوذ ، لذلك تشهد بين فترة وأخرى نتيجة التغييرات إعادة ترتيبها بالشكل الذي يسمح باستمرار أداء القوى الإقليمية لأدوارها المناطة بها ، وعدم قيامها باي اعمال تؤثر على الحسابات الاستراتيجية للقوى الكبرى ، وابرز القوى الإقليمية التي تشكل فاعلية عالية ضمن التوازنات الإقليمية التي تخص العراق ، هي تركيا وايران بالإضافة الى القوى الخليجية مجتمعة او متفرقة.
ومما لاريب فيه بان العراق أيضا يشكل عقدة تواصل إقليمي او تقاطع إقليمي ، لذلك ينعكس التواصل الإقليمي عليه بالسلب او بالإيجاب وهذا يعود ليس الى حسابات صانع القرار العراقي بقدر ما يعود الى رغبة الأطراف الإقليمية ان تخوض تقاطعا قد يتحول الى صراع او رسائل ترسلها الأطراف الإقليمية الى بعضها البعض عبر الساحة العراقية وأكثرها خشونة هي عمليات القصف المتبادل او الازمات السياسية المركبة في العراق ، او عدم القدرة على اتخاذ قرارات تمس الامن الاستراتيجي للعراق .
سعى العراق بعد القضاء على الوجود العسكري المباشر لتنظيم داعش الإرهابي الى ادراك ما ارتكبته الحكومة العراقية منذ عام 2010 -2014 بالانغماس حد النخاع بالملف السوري وعدم قدرته على السيطرة على بعض الحركات العسكرية من الانضمام الى ساحات المعارك على الأراضي والتي ادت نتيجتها بردة فعل عكسية أدت الى تدفق المقاتلين من تنظيم داعش الإرهابي الى الأراضي العراقية وقيامهم بالسيطرة على ثلث الأراضي العراقية في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين ، والتي كان ثمنها باهض على المجتمع العراقي وعلى جميع الفعاليات السياسية والاقتصادية ودونها من الفعاليات . لذلك ادرك العراق متاخرا أهمية ان يكون نقطة للتواصل الإقليمي بطريقة مرنة تسمح باستثمار أي ترتيب لمكانة القوى الإقليمية بالشكل الذي لاينعكس سلبا على الواقع العراقي على الرغم من الإدارة الامريكية قد اتخذت مواقف مركبة تجاه القوى الإقليمية في عهد ترامب ، وادت السياسة الترامبية الى إعادة خلط كل الأوراق بدل من ترتيبها لاسيما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي والدفع عبر الضغط على تركيا الى ان تصفي خلافاتها مع روسيا ومن ثم تتحول الى حالة التعاون الكامل مع روسيا في الملف السوري . فضلا عن انعكاس السياسة الترامبية على الوضع في اليمن وترك الوضع يتفاعل بشكل كبير جدا أدى الى انعكاسات مباشرة على الواقع العراقي . مرة أخرى منذ مجيء إدارة بايدن الى الحكم عملت على إعادة ترتيب القوى الإقليمية بشكل يعيد التوازنات السابقة ويعمل على التخفيف من نقاط التقاطع الحادة وهو ما أدى الى تفاعل العراق معها بطريقة جديدة بمزيد من الانفتاح والتعاون مع القوى الخليجية وترتيب القوس الإقليمي مع الأردن ومصر بعنوان التعاون الاقتصادي والاستثماري ، فضلا عن ترتيب علاقات العراق مع كل من تركيا وايران والتي يمكن تقييم نتائجها بانها أضحت اكثر جرأة بايصال رسائلها المباشرة وغير المباشرة عبر الأراضي العراقية وتحديدا في محافظة نينوى .
لذلك فان محافظة نينوى أضحت وفق هذا الوصف تشكل عقدة التواصل والتقاطع بين اهم قوتين اقليميتين وهما تركيا وايران ويمكن ان يكون الوصف اكثر صراحة بان ما يفصل بين مناطق التأثير الإيراني والتركي هو جبل بعشيقة فقط او بالأحرى خطوط انابيب نقل النقط والغاز في منطقة حوض منطقة القوش والشيخان ، لكن من جهة ثانية أدت تلك التقاطعات الى انعكاساتها المباشرة على وضع منطقة سنجار التي تشكل ممر لقوى وساحة تصفية نزاع داخلي مع العمال الكردستاني لقوى ثانية . أدت الى تبادل رشقات الصواريخ التي أحيانا يكون مداها الى ما بعد بعشيقة واحيانا أخرى تصل الى أربيل عبر أراضي محافظة نينوى ، اما الأكثر جرأة منها فهي بعد اعلان انشاء خط لنقل الغاز والتي قادت الى قصف بالصواريخ البالستية على الأراضي العراقية في أربيل في شهر اذار الماضي .
خلاصة القول ، فان التأثيرات المباشرة وغير المباشرة من أي ترتيب لمكانة القوى الإقليمية ضمن الاجندة الاستراتيجية للقوى الكبرى سواء تلك التي تتعلق بالمفاوضات حول الملف النووي الإيراني او طبيعة التعامل مع الملف اليمني او التسهيلات الكبيرة التي حصلت في الملف السوري تنعكس على الواقع العراقي ، فضلا عن طبيعة الأدوار التركية في المنطقة الإقليمية من تصفير المشكلات الى افتعالها رغم انوف الاخرين الى اتخاذ دور الراعي لتذويب الخلافات الإقليمية فان تشكل مسارات ونهج لابد ان يكون لصانع القرار العراقي ادراك كل ترتيب او إعادة انتاج لهذه الأدوار بالشكل الذي يسمح بإبعاد العراق من ان يكون نقطة تقاطع لا يمكنه حماية نفسه من أي حمى تصيب أي من القوى الإقليمية فإنها لابد وان تصيب العراق بالزكام .