دراسةٌ في المشروع السياسي الإنتخابي في العراق

الباحث والمحلل السياسي: كاظم ياور

مقدمة

العملية السياسية في العراق ما بعد تغير النظام في 2003 إتخذت من وسيلة الانتخابات فيصلا وأساسا في تسلم السلطة وتسليمها ، ولم تقتصر على نوع وشكل واحد في تطبيق الانظمة الانتخابية من جعل العراق دائرة واحدة ثم دوائر متعددة متوسطة بتمثيل نسبي وأخيرا ثم إستخدام نظام التمثيل الفردي بدوائر متعددة كثيرة ، لسنا في هذه الدراسة في موضع التقييم لكل مرحلة أو نوع من الأنواع ، ولكن نُركز ونقف على النتائج ومدى المقبولية الشعبية وتفاعلهم مع تلك الانظمة الأنتخابية، مع الاسف الشديد الصفة السائدة عند الناخبين العراقيين أصبح هناك قناعة كبيرة بعدم الجدوى بالمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة في العراق ، ولأجل معالجة هذه القناعة الخطيرة المتولدة في نفوس الكثيرين من أبناء الشعب العراقي ، ولكي لا تستفحل هذه القناعة وتٌسبب كارثة في مستقبل النظام الديمقراطي لأبناء الشعب العراقي كان لنا هذه المحاولة في تقديم هذا المشروع ، فجاء بعد المقدمة في أربع مطالب آتية :

المطلب الأول : ( دواعي وأسباب تقديم الدراسة ) : بصورة عامة هناك إضطراب كبير في حالة تشريع القانون الانتخابات في كل دورة انتخابية ، مما ولّد زعزعة الثقة عند الناخبين بأنظمة الانتخابات ، ممكن إبراز أهم الأسباب فيما يأتي :

1_ بقاء تشريع قانون الانتخابات حصرا بيد الكتل البرلمانية ، مدعاة إلى توليد حالة من مضاعفة اليأس وعدم القناعة لدى أوساط الشعبية نتيجة قناعتهم وبالدليل أن تلك الكتل ما شرعوا قانوناً إلا كان لهم نصيب الكامل والحظوظ الأمثل لفوزهم وبقائهم في السلطة ، والتمسك بنفس المنهج وعدم تغييره سوف يولد مزيد من العزوف عن المشاركة في الانتخابات وتجربة ثمانية عشر عاما أنتجت العزوف واليأس من الانتخابات .

2_ بعد نتائج الانتخابات 2021/10/10 أصبح واضحا بروز إتجاهين في التمسك بنظام إنتخابي ( التمثيل النسبي بأنواعها المختلفة ) و ( التمثيل الفردي ) وكلا الاتجاهين حريصين ومتمسكين برأيهما ، فإذا لم يعالج هذه القضية سواء عن طريق هذه الدراسة أو دراسات اخرى ، النتائج تكون عكسية من إعتماد أي النظام الانتخابي والذي الهدف من وجوده واستخدامه هو انهاء الصراع بين المتخاصمين على السلطة ، تكون دافعاً ومحركا وسببا رئيسياً لتأجيج الصراع بين تلك الاتجاهات .

3_ مهما كانت كلفة و ظروف إصلاح الانظمة الانتخابية وأساليب ووسائل الديمقراطية صعبةً في البيئة العراقية ولكن هي ليست مستحيلة طالما أن الوسائل التغيير والاصلاح تُتخذ عبر الحوار والتفاهم وتبادل الاراء وإعتماد على طرق علمية ومهنية في التغيير والاصلاح ، أما بديل ذلك فالكل متفق على انها مجهول وكلفته باهظة جدا جدا وكثير من الدول ذهبت إليه فلم تخرج من أثارها السلبية حتى بعد عقود من الزمن .

المطلب الثاني : ( إشكاليات الانظمة الانتخابية المطبقة في العراق ) : لا شك هناك تفسيرات وتقييمات مختلفة ومتباينة من قبل خبراء الانظمة الانتخابية من حيث هل أن الانظمة الانتخابية بذاتها فيها الاشكاليات بحيث لا تنتج او لا تعبر عن واقع العراقي بشكل مرضي عند اكثرية الشعب أم أنَّ الانظمة لا مشكلة فيها بل كل الاشكاليات نتيجة مطامع السياسية تُحمَّل على الانظمة ، على أية حال لسنا هنا في معرض الترجيح بقدر ما يهمنا التوصل إلى مشروع بنتائج ممكن تلبي مطالب الشعب وتعيد الثقة لدى الناخب العراقي بالانتخابات ، وعليه لكي نقلل من أثار تلك الإشكاليات لابد من مراعاة الأمور الآتية :

1_ تضمين أي قانون انتخابي مفهوم المادة الدستورية المتعلقة بالتمثيل الشعبي منها المادة تسع وأربعون/ أولا : ( يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله ) فالنص واضح بأن التمثيل غير محصور او محدد بمكان سواء كان النواحي او ألاقضية او محافظة بل التمثيل على العددية ( نفوس العراق ) وإذا أخذناها بمعيار نظام انتخابي فهي تتوافق مع أن يكون شكل النظام الانتخابي، العراق دائرة انتخابية واحدة ، وهذا ما عُمل به في أول انتخابات جرت في العراق ، ولكن كون التجربة الانتخابية بمعايير الديمقراطية والتمثيل المباشر في العراق كانت في مراحله الأولى ظهرت، مشاكل عديدة في النتائج التمثيل المكونات والمناطق ، لذا جاءت إعتراضات ثم شرعت قانون انتخابي إعتمد التمثيل النسبي وبتوزيع مقاعد مجلس النواب على المحافظات العراقية بمعايير تقديرية وليست حقيقية ، فكذلك وجه إعتراضات كبيرة على هذا النظام الانتخابي وثم تغيره الى التمثيل الفردي وثم الفردي كذلك لم ينتج ما كان يطلبه شرائح واسعة من ابناء الشعب ، فهذه الدراسة اخذت على عاتقها بعد دراسة كل هذه الامور والحيثيات والاشكاليات طرح حلول وسطية ممكن تكون مساعدة جدا في إيجاد حلول مرضية اولا لمطالب الشعبية ثم حتى المطالب الكتل السياسية، وبطبيعة الحال الحلول تكون نسبية القبول ، لأن أي مشروع بشري لا يكون كاملا 100% وأكيد تكون هناك إعتراضات أو بعض السلبيات ولكن بشكل عام تكون أفضل مما كانت الامور عليها في الانظمة السابقة كون الدراسة تأتي بعد تجارب ودورات انتخابية أجريت في العراق وثم معرفة نقاط القوة والضعف في الانظمة  الانتخابية السابقة  وسوف نسردها في المطلبين التاليين .

2_ مراعاة حقوق الشخصية الواردة في المادة أربع واربعون /أولا : ( للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه ) الانظمة الانتخابية السابقة كانت لا تتضمن ولا تستجيب للحقوق الواردة في هذه المادة ، فأرباب العمل والوظائف من الناخبين إذا كانوا في دائرة اخرى لا يسمح لهم التصويت إلا في دائرتهم ، وهذا الامر كان ولا يزال محبِطاً وعائقا أمام الالف الناخبين من إدلاء باصواتهم الانتخابية وهي من حقوق الدستورية ، وعليه ستكون ضمن المطلبين التاليين حلول في حلحلة هذه الإشكاليات .

المطلب الثالث : ( وسيلة التصويت ) : يعتبرها كثيرٌ من المختصين أهم عامل ومرتكز ممكن تعيد الثقة للناخب العراقي من حيث ضمان حقه بالتصويت وحمايته من التغير والتحويل ، معلوم أن دورات الانتخابية في العراق كانت تعتمد على اوراق ثبوتية في تعريف شخصية الناخب ، والحاجة الى التطوير والضمان لصوت الناخب دفعت ( مؤسسة المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات ) بالتنسيق مع جهات المعنية في الحكومة والبعثة الاممية في العراق ، إلى إصدار البطاقات الكترونية للناخبين ، ثم لسد مشاكل وعيوب البطاقة الكترونية، ثم إصدار البطاقة البايومترية ، ولكي تكون هذه البطاقة مضان الثقة والإعتماد وكفاءة العمل وحلاً لأشكاليات التي ثم التطرق إليها في الدراسة وإشكاليات لم يتم التطرق إليها هنا، وعليه نطرح أموراً من شأنها تكون حلاً لما ذُكر كالآتي:

1_ إستخدام البطاقة البايومترية حصرا ( بمواصفات بطاقة الصرف المالي ) : معلوم عند العراقيين بطاقة ( كي كارد أو ماستر كارد) خاصة عند الموظفين في تعاملهم بها في صرف رواتبهم، فكما أن بطاقة ( الكي كارد ) عندما يحتوي على الرصيد ممكن الجهاز المعين قراءة الرصيد ، فكذلك لابد أن تحتوي بطاقة البايومترية على وحدة رصيدية واحدة عندما تقرأها الجهاز المستلم ( تنتهي رصيد البطاقة ) فالتعبئة بوحدة واحدة مركزيا من قبل المفوضية العليا للإنتخابات سوف تقطع الشك في إحتمالية إستعمال البطاقة مرة اخرى .

2_ كما أن بطاقة ( كي كارد ) ممكن إستخدامه في أي مكتب صيرفة في أي محافظة او مدينة أو قضاء توجد فيها ( مكتب صيرفه ) فكذلك ممكن التصويت بالبطاقة البايومترية في أي دائرة تيسر وجود الناخب فيها يوم التصويت ، فبذلك تُحل لزوم تواجد أرباب العمل في غير دائرته ومن هو مقيم او في السفر في دائرة اخرى أو حتى خارج البلاد ، وكذلك حل مشكلة الوقوف في الطابور المزدحم ، فأي مركز إنتخابي أو محطة لم تكن عليها ازدحام بالتصويت اكيد الناخب يذهب اليه للتصويت .

المطلب الرابع : ( الشكل وأساس النظام الانتخابي من حيث التمثيل الشعبي ) : جوهر الدراسة والهدف منها هو حل إلاشكاليات التي سبّبها شكل الانظمة الانتخابية التي ثم إعتمادها في الدورات الخمس الماضية من الاعتماد ( العراق دائرة انتخابية واحدة ) أو متعدد الدوائر مع التمثيل النسبي أو التعدد الدوائر بشكل واسع مع الترشيح الفردي ، من خلال دراستنا وتتبعنا لجوانب السياسة الانتخابية وكذلك محددات الدستورية والقانونية ومطالب الشعبية ، نطرح الامور الاتية نراها حلاً لأشكاليات السابقة والقائمة ، تجسيراً للرؤى وإلتقاء المطالب في النقاط المشتركة المثمتلة فيما يأتي :

1_ إعتماد المبدأ (بقاء التعدد الدوائر وبتصويت حر ) ذكرنا سابقا أصبح هناك إستقطاب حاد بين الاتجاهين ، إتجاه يريد ( بقاء التمثيل الفردي بكل تفاصيله ) وإتجاه ( يريد العودة إلى التمثيل النسبي بأي تفاصيله السابقة )، والظروف السياسية والامنية والاقتصادية في العراق يحتم على أي باحث عدم الخوض في الترجيح أو مساندة أي الاتجاهين ، لأن لسبب بسيط سوف يأجج أدوات الصراع وتولد مشاكل اكثر وتضيع الاوقات وفرص معالجات لكل هذه الظروف والاوضاع التي يتأمل أي مواطن وباحث أن يحل عبر أليات ديمقراطية ومنها ( الإنتخابات )، ولكي لا تستثمر هذه الخلافات من اجل أن تكون ذريعة لعدم إجراء الانتخابات في موعدها التي جاءت في المنهاج الوزاري لكابينة ( رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ) عليه تطرح الدراسةُ وتؤكد على بقاء الدوائر المتعددة ( 83 ) دائرة إنتخابية في عموم العراق من اجل أن يكون التمثيل واسعاً لمناطق ومدن العراق ، بالمقابل أن يكون التصويت حراً ، ونعني بالتصويت الحر هو أن يكون الناخب حرا في إدلاء بصوته إلى أي محافظة ودائرة يشاء ويختار أن يصوت إليها إعتبارا من محافظته ودائرته ألى أقصى محافظة ودائرة في العراق ، بذلك نكون قد وفقنا بين تمثيل واسع للمكونات والمناطق وبين أن يكون ممثل الشعب يمثل كل أبناء العراق .

2_ إعتماد مبدأ تصويت الحر سوف يرفع نسب المشاركة بشكل كبير وذلك لأنه يحل مشاكل الآتية:

أ_ عائق الاقامة في نفس الدائرة التي كانت محل التصويت للناخب في الدورات السابقة ، ويشمل أرباب العمل والمهجرين والوظائف والمسافرين ومن هو مُهدد أمنيا في دائرته .

ب_ المكونات العراقية خاصة مكونات أقل نسمة مقارنة بالمكونات الكبيرة ، سوف يكون لهم مشاركة أكبر خصوصا أنهم سوف يختارون ويساندون من يريدون .

ت _ شرائح المرأة والشباب تكون لهم فرص اكبر في أختياراتهم على المساحة الوطنية .

3_ وضع شرط وجزاء للدائرة التي لا يتجاوز نسبة المشاركة فيها 20% تذهب مقاعدها إلى دائرةٍ تحقق أكبر نسبة المشاركة في نفس المحافظة ، وفي حالةٍ اذا كانت كل الدوائر المحافظة أقل من 20% تبقى كل دائرة تحتفظ بمقاعدها .

4_ الأساس في الفوز من يحصل على أعلى الاصوات في الدائرة .

5_ تبقى الكوتا الاقليات على حالها ، بل هذا النظام تسهل من إشكاليات كانت تعتري أمام الناخبين والمرشحين من الكوتا .

6_ ورقة الاقتراع تكون على ما يلي : وهي على قسمين :

اولا _ القسم الاول :

أ _ اسم المحافظة  وبإزاءها مربع الفارغ للإختيار .( يطبع أسم  ثماني عشرة محافظة على التوالي )

ب_ اسم الدائرة كتابة ورقما وبإزاءها مربع الفارغ للإختيار . ( يطبع من واحدة الى سبع عشرة دائرة)

ت_ أسم المرشح بإزاءه مستطيل فارغ كبير تسع للأسم الثلاثي ، ثم رقم الدائرة بإزاءها مربع فارغ .

القسم الثاني : كوتا الاقليات :

أ_ أسم المحافظة وبإزاءها مربع فارغ لأختيار . ( يطبع اسماء المحافظات التي فيها كوتا ) .

ب_ اسم الدائرة كتابة ورقما و بإزاءها مربع فارغ للإختيار . ( يطبع اسماء الدوائر من واحدة الى سبع عشرة دائرة ) .

ت_ أسم المرشح بإزاءه مستطيل فارغ كبير تسع للأسم الثلاثي ، ثم رقم الدائرة بإزاءها مربع فارغ .

ملاحظة وتوصية : 1_ ورقة الاقتراع اذا ثبت فيها الاسم المرشح ثنائي بدل الثلاثي تكون مقبولة كون كل مرشح له رقمه الخاص به يمنحه له المفوضية الانتخابات عن طريق القرعة .

2_ ربما يرد إعتراض أن الناخب الأمي لا يعرف كتابة اسم المرشح والرقم ، طبعا نفس الحالة ينطبق على الامي في الدورات السابقة حتى وان كان الاسم مطبوعا امامه لا يعرفه للتأشير فكان يحتاج الى المساعدة من موظف مختص بهذه القضية ( مفوض محلف من المفوضية ) فكذلك يستعان به في هذه الحالة ،، كوننا لا نستطيع طبع وتسجيل اسماء كل المرشحين لأننا نراعي القانون والدستور فمن حق أي شخص ينطبق عليه شروط الترشح الفردي أن يرشح نفسه فمثلا لو فرضنا وصل في دائرة ما عدد المرشحين الى 329 مرشح وهذا حق قانوني او اكثر من هذا العدد فلا يمكن طبع ورقة إقتراع فيها كل هذه الاسماء ، ولذلك اخترنا طريقة تسجيل الاسم مع الرقم المرشح لزيادة تثبت وعدم فسح المجال للتزوير لأن مجرد كتابة الرقم قد يكون هناك مجال تلاعب بالرقم من حيث إضافة عدد على عدد المسجل من قبل الناخب فتتغير الارادة الى شخص اخر وأن كان هناك ضامن اخر وهو رقم الدائرة ولكن زيادة التأكيد والتثبت أفضل لجلب اليقين والقناعة بألية الانتخابات .

نموذج توضيحي مبسط

بغداد كركوك النجف نينوى البصره أربيل دهوك كربلاء ديالى
الدائرة الاولى الدائرة الثانية الدائرة الثالثة الدائرة الرابعة الدائرة الخامسة

 

أسم المرشح                                                                 رقم المرشح

 

ختاما جزء من هذا المشروع عملت على إيصاله الى المؤسسات المعنية ولكن لم أفلح وكذلك عملت عليه في التثقيف الانتخابي عندما كنت أٌستضاف في القنوات التلفزيونية ، وكلي أمل أن يستجيب الجهات المعنية في تضمين مشروع قانون الانتخابات ما ورد في هذه الدراسة ، أبتغينا الإصلاح وتطوير الانظمة الانتخابية بما يتلائم مع مطالب الشعبية وما رسمه الدستور العراقي بشأن الأنتخابات والتمثيل النيابي .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *