البرنامج الحكومي، بين ما يمكن فعله وما لا يمكن
شوان زنكنة: مستشار حكومي سابق
أعلنَ السيد رئيس مجلس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني عن برنامج حكومته، في 29 صفحة، باسم المنهاج الوزاري، تضمّنَ خطَّتَه الحكومية في دورة الحكم القادمة، والتي أتَتْ على وجهَين: وجهٌ يمكن فعله وتنفيذه، ووجهٌ لا يمكن فعله وتنفيذه.
أما الذي لا يمكن تنفيذه، فهو معظمُ ما ورد في البرنامج، الذي جاء على شكل عباراتٍ إنشائيةٍ، عموميةٍ، غيرِ قابلةٍ للتنفيذ وفق المعطيات الحالية، وفاقدةٍ لطرقِه وآلياتِه، ومن العبث الخوض في تفاصيله، وإضاعة الوقت في تحليله، لذا سأكتفي بذكر القدر اليسير الذي يمكن فعله وتنفيذه، وكما يلي:
* يمكن للبرنامج الحكومي تمرير قانون الموازنة، لأن ذلك من مصلحة الأحزاب المشاركة في الحكم، وذلك لإطلاق يدها عبثًا في الموازنة، وممارسة الاختلاس فيها، وهو من مصلحة إيران، لأنها تَخرِقُ الحصار المفروض عليها من خلاله، إذ أنها تعتبرُ أموالَ العراق حقًّا شرعيًّا لها، وسنشهد، حتمًا، ضياع جزء من الموازنة، على شكل مبيعات إيرانية وهمية وشبه وهمية، وعقود تجارية ومقاولات، وسرقة وقود…إلخ.
* تنفيذًا للعبارات الإنشائية الرنّانة والطنّانة التي تملأ البرنامج، حول محاربة الفساد، سيتمّ صدور عقوبات على عدد من الفاسدين، ممن لا سندَ لهم، أو ممن ترميهم الحيتان الكبيرة فريسةً للبرنامج الحكومي، لِتَسلمَ هي، وليكونَ دليلَ السيدِ رئيس مجلس الوزراء على مصداقية برنامجه في محاربة الفساد واستئصال جذوره!
* سيتمّ تنفيذُ بعض المشاريع المتلكِّئة، والتوقيعُ على تنفيذ بعض المشاريع الجديدة التي نصَبتِ الأحزابُ عيونها عليها، ليظهرَ البرنامجُ وكأنه حقّق أغراضَه في تقديم الخدمات من جهة، ولتكون موردًا ماليًّا لتلك الجهات المتربِّصَة، ومَنفذًا للكسب الحرام من جهةٍ أخرى.
* ستستمرُّ هذه الحكومة، كسابقاتها، وانطلاقا من بنود برنامجها الخاصة بالاستثمار ودعمه، بسرقة المال العام، واستحلاله لشلةٍ منحرفةٍ ممن يُسمِّي نفسَه بالمستثمرين، وذلك من خلال تخصيص الأراضي، وتوفير الائتمانات المصرفية، والإعفاءات الضريبية، وإرساء العطاءات، وغيرها.
* سيستمرُّ مُؤَشِّرُ علاقةِ الإقليم بالمركز بالحركة إيجابًا وسلبًا، وفق البوصلةِ الإيرانية، وهذا يعني بقاء الوضع على ما عليه الآن: الأموالُ تتدفّقُ إلى الإقليم بالقدر الذي تجعله يتنفّس، والمشاكلُ ستستمرُّ بلا علاج.
* ستقوم الحكومةُ، كسابقاتها، بإتْخام دوائر الدولة بتعييناتٍ جديدة، وفق حصص الأحزاب، وذلك لتوفير حصةٍ سوقيّةٍ من الأصوات لهذه الأحزاب في الانتخابات القادمة.
* سيرتفع حجمُ التبادل التجاري والاقتصادي بين العراق وإيران، أقصد: سيرتفع التصدير من إيران، لأن العراق ليس بلدًا منتِجًا، ومُصدِّرًا، لذلك سنشهد عجزا كبيرا في الميزان التجاري بين البلدين لصالح إيران.
* سيتمّ توزيعُ كلِّ العقود، قاطبةً، في كل الوزارات، وفي كل المحافظات، وفق هذا البرنامج الحكومي، على المتنفِّذِينَ داخل الأحزاب المشكِّلة للحكومة، كل حسب موقعه وحصته الإدارية في الحكومة.
* سنشهدُ، وفق هذا البرنامج الحكومي، كثافةً ملموسة من الاجتماعات الحكومية والوزارية والمحلية، وتشكيل اللجان المتعدّدة، وإصدار القرارات والتعليمات، إلا أنها لن تكون إلا هباءً منثورًا، وسوف يبقى ما كان على ما كان، ولن تكون مسيرة هذه الحكومة إلا مُراوحةً في مكانها.
* سيتمّ فصلُ كافة القيادات الإدارية في حكومة الكاظمي، واستبدالها بشخصيات، وفق المقياس الإيراني، في ظلِّ مقاومتها للحصار المفروض عليها، بحيث تكون جاهزة لأداء ما يُناط إليها من مهامِّ ذلك المقياس.
* سنشهدُ عجزًا واضحًا في الموازنة العامة، وانخفاضًا في الاحتياطي المركزي، وارتفاعًا بحجم القروض، نتيجة سوء الإدارة، والفساد المالي، والخرق الإيراني للحصار المفروض عليها من خلال الموازنة العراقية.
هذا ما استقرؤُه من بنودِ البرنامج الحكومي، وطريقةِ تشكيل الحكومة، وطبيعةِ مكوّناتِها، ومميزاتِ كوادرها، وذِهنيةِ المتنفّذِين فيها، ومصالحِ القوة التي اِصطنعَتْها.. وسوف لن يتجاوز ما يمكن أن تفعله الحكومة وفق برنامجه، هذه البنودَ التي رَسمتْها استقراءاتي أعلاه، وإن تجاوز، فسوف يبقى ضمن إطار هذا الاستقراءِ.
كان الله في عون الشعب العراقي