السيناريوهات الأكثر خطورة في الحرب الاسرائيلية_ الإيرانية
مروة حامد الحمداني
الباحثة بالشأن السياسي والاستراتيجي
أولاً: المقدمة
يشهد الصراع الإسرائيلي–الإيراني تصعيدًا غير مسبوق على خلفية الضربات الجوية المتبادلة بين الطرفين، إذ تحوّلت المواجهة بينهما من حرب بالوكالة وعمليات سرية إلى مواجهة مباشرة، كما صدرت عدة تهديدات صريحة من كبار الفاعلين، أبرزهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – الذي توعّد بمنع وقوع “هولوكوست” ثانٍ، إلى جانب إعلان إيران عن استعدادها لاستخدام أوراقها الاستراتيجية وعلى رأسها مضيق هرمز للدفاع عن نفسها، يأتي هذا التصعيد في ظل نظام إقليمي هشّ تتقاطع فيه الحسابات السياسية والعسكرية ويصعب فيه فصل الجبهات عن بعضها البعض، إذ تهدف هذه الورقة إلى استشراف السيناريوهات الأخطر للحرب التي قد تتمخّض عن استمرار التصعيد وجرّ المنطقة إلى حرب شاملة، وذلك من خلال قراءة تحليلية للواقع القائم واستقراء التداعيات المحتملة إقليميًا ودوليًا.
ثانياً: الإطار التحليلي والمنهجي
تعتمد هذه الورقة على منهج تحليل السيناريوهات المستقبلية (Scenario Analysis) بوصفه أداة لتقدير المسارات المحتملة لتطور النزاعات المسلحة، إذ تستند هذه الورقة إلى التحليل النوعي للمواقف المعلنة والتصريحات السياسية والتحركات العسكرية، بالإضافة إلى رصد المؤشرات الإقليمية والدولية التي ترافق كل موجة تصعيد، كما تُصنف الورقة ضمن أدبيات تقدير الموقف الاستراتيجي، وتستند في رؤيتها إلى مقاربة واقعية ترى أن التفاعل بين القدرات العسكرية والتحالفات والتهديدات الاقتصادية يمثل محدداً أساسياً لمسار الأحداث في الشرق الأوسط.
ثالثاً: الإشكالية والفرضية
تكمن الإشكالية الرئيسية في طبيعة وحدّة التصعيد الحالي بين إسرائيل وإيران، واحتمالات انزلاقه إلى أحد أشكال المواجهة الكبرى والشاملة والتي قد تعيد رسم معادلات الأمن الإقليمي والدولي، إذ تتمثل الفرضية الأساسية لهذه الورقة في أن استمرار التصعيد السياسي والعسكري، في ظل غياب تدخل دولي فعّال، قد يفضي إلى أحد السيناريوهات التالية: حرب إقليمية شاملة، اشتباك مباشر بين إيران والولايات المتحدة، سباق تسلح نووي، أو استخدام الاسلحة النووية.
رابعاً: السيناريو الأول – المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة
بعد الضربة الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية تُشير كل المعطيات الراهنة إلى أن استمرار هذا التصعيد وضعف الضغط الدبلوماسي قد يُفضي إلى مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة فلهجة التهديد العالية الصادرة عن واشنطن – والتي مثّلها بوضوح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتلويحه برد عسكري ساحق، على أي هجوم إيراني مباشر أو عبر وكلائها على المصالح الأميركية في المنطقة قد يدفع الولايات المتحدة إلى تدخّل عسكري شامل ضد إيران، و قد تجد واشنطن نفسها مضطرة للتحرك دفاعًا عن مصالحها وحلفائها وقواعدها في المنطقة ، الأمر الذي قد يشمل توجيه ضربات أكثر في العمق الاستراتيجية لإيران (مثل المنشآت النووية والقواعد العسكرية) بغية شلّ قدراتها العسكرية، وربما السعي إلى إضعاف النظام الإيراني نفسه إذا تصاعدت الأهداف إلى حدّ تغيير النظام، و مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى تصعيد دولي خطير، فمن المرجّح أن تواجه الخطوة الأميركية ردود فعل من قِبل قوى كبرى منافسة؛ فقد ترى كل من روسيا والصين في الاشتباك الأميركي–الإيراني فرصة لتعزيز موقف طهران وإرباك واشنطن، مما ينذر بتحوّل الصراع إلى مواجهة أوسع نطاقًا على المستوى العالمي، وسيجد حلف شمال الأطلسي (الناتو) نفسه أمام معضلة تتعلق بالأمن الجماعي، في ظل ضغوط لاتخاذ موقف لدعم الحليف الأميركي من جهة، ومخاطر الانجرار إلى حرب مباشرة مع قوى نووية كبرى من جهة أخرى، في المحصّلة، ينطوي هذا السيناريو على تدويل غير مسبوق للصراع، مهدّدًا أسس الأمن الجماعي الدولي ومبرزًا عجز النظام الدولي عن منع انزلاق نزاع إقليمي إلى حرب بين القوى العظمى
خامساً: السيناريو الثاني – سباق التسلح النووي
تؤشر تصريحات المسؤولين الإيرانيين إلى أن الضربات الإسرائيلية المتكررة قد تدفع طهران إلى الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) وتسريع بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تتجاوز الحد المسموح دولياً، هذا السيناريو يعني أن إيران ستسعى إلى امتلاك قدرة ردع نووي باعتبارها وسيلة لحماية نظامها وأمنها، في المقابل، سيؤدي هذا التحول إلى تحفيز دول إقليمية كالسعودية وتركيا ومصر على تطوير قدراتها النووية لأغراض الردع، خشية من خلل التوازن الاستراتيجي، ما يعني فتح باب سباق تسلح نووي إقليمي غير مسبوق، وهذا السيناريو ينذر بإعادة تشكيل العقيدة العسكرية في المنطقة، ويهدد بنشوء جبهات نووية غير خاضعة للرقابة الدولية، مما يشكل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين وانهيار لمنظومة عدم الانتشار.
سادساً: السيناريو الثالث – الحرب الإقليمية الشاملة
تُرجح المؤشرات الحالية أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد حرباً متعددة الجبهات إذا استمرت العمليات العدائية الحالية، إذ قد تلجأ إيران إلى تحريك وكلائها في( لبنان حزب الله، العراق الحشد الشعبي، واليمن الحوثيون) وكذلك حلفائها الاستراتيجيين (روسيا والصين) لفتح جبهات جديدة ضد اسرائيل والولايات المتحدة، مما سيحول الصراع من ثنائي إلى إقليمي، كما في المقابل، وفي المقابل قد تتوسع إسرائيل في ضرباتها العسكرية لتشمل العمق السوري والعراقي واليمني وربما اللبناني، مما يسرّع في انهيار الاستقرار الهش في هذه المناطق المتصدعة اصلاً.
كما قد تستخدم إيران تهديدها بإغلاق مضيق هرمز والذي يُعد ورقة استراتيجية قد تُستخدم لتوجيه ضربة مباشرة للأسواق العالمية، عبر وقف مرور النفط الخليجي، ففي تصريح لنيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين:” ان إيران تحتفظ بالأصول البحرية وبقدرات أخرى لإغلاق مضيق هرمز” الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع جنوني في أسعار الطاقة، وقد يُدخل الاقتصاد العالمي في مرحلة من الركود أو الأزمة.
هذا السيناريو ينطوي على مخاطر تفكك المنظومة الأمنية الإقليمية للمنطقة بشكل كامل ودخول المنطقة في حالة من الفوضى كنزوح الجماعي، وامكانية عودة الجماعات الإرهابية إلى الواجهة مستغلة الفوضى العسكرية، أما على الصعيد الاقتصادي، سيؤدي اتساع رقعة الحرب إلى اضطراب خطير في أسواق الطاقة والتجارة العالمية لإن إغلاق مضيق هرمز – الشريان الحيوي الذي يمر عبره نحو 30% من صادرات النفط و25% من صادرات الغاز الطبيعي إلى العالم – إضافة إلى تعطيل الملاحة عبر باب المندب، سيتسبّب بأزمة طاقة عالمية وركود اقتصادي حاد، وعليه، لن تقتصر تداعيات الحرب الإقليمية على دول الشرق الأوسط فحسب، بل ستطال الاستقرار الاقتصادي والأمني الدولي برمّته.
سابعاً: السيناريو الرابع _استخدام الاسلحة النووية
يعد هذا السيناريو الأخطر على الأطلاق، إذ يفترض تجاوز جميع الخطوط الحمراء نحو الاستخدام الفعلي للسلاح النووي سواء عبر ضربة إستباقية من الجانب الإسرائيلي أو كرد فعل من قبل الجانب الإيراني في حال تعرضت مصالحها لهجوم شامل قد يهدد وجود نظامها السياسي واستقرار أمنها.
وبرغم من إن هذا السيناريو لايزال مستبعد الحدوث وفق التقديرات الكلاسيكية، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى إمكانية استخدام السلاح النووي، لاسيما بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول منع “هولوكوست ثانٍ”، بالإضافة الى التصعيد الأمريكي المتواصل بقيادة دونالد ترامب، لذا لم يعد هذا الخيار مستبعداً، فإن اسرائيل قد تلجأ الى استخدام ذخائر نووية تكتيكية لضرب المنشآت النووية الإيرانية المحصنة لتفكيك قدراتها النووية خاصة اذا رفضت ايران العودة الى المفاوضات بشأن برنامجها النووي، وفيما يخص الجانب الإيراني باستخدام السلاح النووي فهي تعد ان استخدام هذه الاسلحة هو خيار دفاعي أخير تلجأ له لضمان البقاء والدفاع عن نظامها السياسي.
أما تداعيات هذا السيناريو فهي تداعيات خطيرة منها حدوث كارثة إنسانية وبيئية اقليمية بسبب التسرب الاشعاعي، انهيار في نظام القانون الدولي بسبب عدم فعاليته بالتوصل الى اتفاق يرضي جميع الاطراف، حدوث أزمة في الطاقة العالمية نتيجة تعطيل الملاحة في الخليج العربي وارتفاع اسعار النفط.
ثامناً: الخاتمة
لقد باتت الحرب الإسرائيلية–الإيرانية تتجاوز المناوشات التقليدية، لتشكّل اليوم تهديدًا شاملًا للأمن الإقليمي والدولي، فالمنطقة تقف فعليًا على مفترق طرق بين منطق الردع العقلاني وانفلات المواجهة الشاملة، ولا يقتصر تحديد المسار المقبل على إرادة اللاعبين الإقليميين فحسب، بل يتوقف أيضًا على مدى حضور أو غياب الفعل الدولي المنظّم لكبح التصعيد، لذا فإن السيناريوهات المُفصّلة أعلاه ليست افتراضات نظرية بحتة، بل تستند إلى مؤشرات ومعطيات واقعية قائمة، وعليه فإن تحرّك المجتمع الدولي لم يعد مجرد خيار دبلوماسي ثانوي، بل غدا ضرورة استراتيجية ملحّة لمنع انزلاق المنطقة والعالم نحو أسوأ الاحتمالات من ثمّ، لا بدّ من استجابة دولية شاملة تساهم في احتواء التصعيد الحالي وتفادي تحقق هذه السيناريوهات الكارثية، و في مقدمة هذه الاستجابة يأتي التحرك عبر مجلس الأمن الدولي للدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وكبح دوامة العنف المتبادل، كما يلي ذلك دعم الوساطات الإقليمية التي تقودها أطراف محايدة على غرار سلطنة عُمان أو تركيا، بغية فتح قنوات حوار بين أطراف الصراع، كما تبرز أهمية إنشاء آلية تعاون إقليمية–دولية لضمان أمن الملاحة في الممرات البحرية الحيوية كمضيق هرمز، بهدف حماية إمدادات الطاقة العالمية ومنع توسيع نطاق الصراع، و إلى جانب ذلك، ينبغي تعزيز الرقابة الدولية على الأنشطة النووية في المنطقة للحيلولة دون انجرارها إلى سباق تسلح نووي مفتوح، وأخيرًا، يتعيّن على المجتمع الدولي الضغط لتأكيد تحييد المدنيين والمنشآت الحيوية عن دائرة الصراع، التزامًا بمبادئ القانون الدولي الإنساني وحفاظًا على الأرواح والبنى التحتية، إن تكاتف هذه الجهود الدولية والإقليمية من شأنه أن يرسل رسالة ردع قوية ويؤسّس لمسار دبلوماسي بديل، بما يحدّ من احتمالات تحقق السيناريوهات الأكثر خطورة، ويصون الأمن الجماعي على المستويين الإقليمي والعالمي.
الهوامش
تصريحات نتنياهو عن منع “هولوكوست ثانٍ”: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، مايو 2024.
تقرير نيويورك تايمز حول مضيق هرمز: 13 نيسان 2024.
تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تخصيب اليورانيوم الإيراني – تقرير الربع الأول 2025.
تصريحات ترامب بشأن الرد العسكري، قناة فوكس نيوز، مارس 2025.
معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، النص الرسمي، الأمم المتحدة، 1968



إرسال التعليق