الاخبار

 قراءة استراتيجية للثغرات الاستخباراتية في النظام الأمني الإيراني في حربها مع إسرائيل

الباحثة: مروة الحمداني

أولًا: المقدمة

شهدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في السنوات الأخيرة تحديات متراكمة على مستوى أمنها القومي، إذ تمثلت بشكل خاص في سلسلة من الإخفاقات الاستخبارية التي بدأت منذ اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير2020 قرب مطار بغداد، وامتدت إلى عمليات اختراق عميقة شملت (بنيتها التحتية، أنظمتها السيبرانية، وقياداتها الإقليمية)، ورغم سعي طهران لتعزيز حضورها في العمق الجغرافي العربي من خلال وكلائها المحليين والفصائل لكنها باتت تواجه نمطًا مركّبًا من الانكشاف الميداني والفشل التقديري، بلغ ذروته في صيف 2025، حين نفّذت إسرائيل عملية منسقة ضد أكثر من 100 هدف إيراني، أعقبتها عمليات الاغتيال الدقيقة التي طالت قادة من الحرس الثوري، وعلماء نوويين، ومهندسين في مجالات حساسة.

إن هذا التقدير لا يسعى إلى رصد تلك الأحداث بوصفها وقائع مستقلة، بل إلى تحليلها باعتبارها أحداثاً تراكمية لأزمة استراتيجية أعمق في بنية النظام الأمني الإيراني، فالخلل الاستخباري لم يكن وليد اللحظة، وإنما نتيجة بنية أمنية مزدوجة، وصراعات مؤسساتية، وضعف في استشراف التهديدات المتجددة، مما حوّل ما كان يُعد سابقًا “شبكة إيرانية واسعة” إلى “أهداف مكشوفة” في قلب الصراع.

ثانيًا: إشكالية التقدير وأهميته

تكمن إشكالية هذا التقدير في محاولة فهم كيف تحوّل جهاز أمني يُحسب كأحد أقوى أجهزة الشرق الأوسط من حيث الاتساع والسيطرة الإقليمية، إلى كيان يعاني من اختراقات مستمرة وعجز عن الردع؟ ولماذا أخفقت إيران، رغم تراكم الخبرات والموارد، في حماية عمقها الاستراتيجي ووكلائها؟ وما دلالات ذلك في ميزان الردع الإقليمي ومفهوم “حرب الظل” مع إسرائيل؟

تكتسب هذه الإشكالية أهميتها في ضوء تصاعد الدينامية الأمنية في الإقليم، وتحوّل المواجهات بين القوى غير المتماثلة إلى حروب استخبارية مركبة، حيث لم تعد المعارك تُحسم بالقوة التقليدية بل بالقدرة على تحليل النوايا، والتنبؤ بالتوقيت، وتعطيل الفعل قبل حدوثه.

إن ما جرى في يونيو 2025 لا يُمثّل لحظة ظرفية بل اختبارًا لاستمرارية نموذج الأمن الإيراني وقدرته على التكيف مع بيئة إقليمية متحولة، فإن تحليل هذا الفشل لا يرتبط فقط بإيران، بل يتجاوزها إلى سؤال أوسع حول شكل التوازنات المستقبلية في المنطقة، ودور الاستخبارات في صياغة الاستراتيجية.

 

ثالثًا: منهجية التقدير وحدوده التحليلية

يعتمد هذا التقدير على المنهج التحليلي الاستراتيجي الذي يجمع بين التحليل الكيفي للأحداث الأمنية والاستخباراتية ذات الصلة، وبين استقراء التطورات البنيوية والثقافية داخل النظام الإيراني، من منظور الأمن القومي والدراسات الاستخباراتية المقارنة. كما يهدف التقدير إلى تقديم قراءة تحليلية معمقة، تراعي الطابع الديناميكي للبيئة الأمنية، وتُدمج بين التطورات المتسلسلة من 2020–2024 وذروتها في حرب يونيو 2025، لتشكيل رؤية أكثر تماسكًا حول مستقبل المنظومة الاستخبارية الإيرانية.

 

رابعًا: جذور الفشل الاستخباري الإيراني (2020–2022)

تعود جذور الانكشاف الاستخباري الإيراني إلى التحولات البنيوية التي بدأت بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني في 3 يناير 2020، بضربة جوية أمريكية دقيقة قرب مطار بغداد، نُفذت بناءً على معلومات استخبارية عالية الدقة،  وهذا الحدث لم يُشكّل فقط صدمة عملياتية لفيلق القدس، بل مثّل إعلانًا مباشرًا عن قدرة الأعداء على اختراق أعلى مستويات الهرم الأمني الإيراني دون أن تتوفر لطهران أي قدرة استباقية على التنبؤ أو الحماية.

وفي ذات السياق، شكّل اغتيال محسن فخري زاده، أبرز العقول النووية الإيرانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، تطورًا أكثر خطورة؛ فقد تم الاغتيال داخل العمق الإيراني، قرب طهران، عبر تقنية مركّبة (رشاش آلي يعمل بالتحكم عن بعد) دون أي اشتباك ميداني، ما كشف عن فشل مزدوج في منظومتي الأمن الشخصي والتحليل التوقعي في آنٍ معاً.

وفي الفترة بين 2021–2022، ظهرت مؤشرات متزايدة على وجود اختراقات سيبرانية متكررة في أنظمة الموانئ والمطارات والمنشآت النووية، كان أبرزها في منشأة “نطنز”، حيث تكررت عمليات التخريب والتفجير الداخلي. وقد أظهرت التحقيقات الأولية أن بعض الهجمات تمت من خلال متعاونين محليين تم تجنيدهم من قبل أجهزة أجنبية (الموساد أو غيره)، بينما كانت وسائل الإعلام الإيرانية تحاول تقليل حجم الاختراق تارة، وتوجيه الاتهام للعناصر المندسة تارة أخرى.

هذا التراكم منذ 2020 لا يمكن فصله عن البنية المؤسسية للأمن الإيراني، حيث يتداخل عمل وزارة الاستخبارات والأمن (MOIS) مع منظمة استخبارات الحرس الثوري، ما يؤدي إلى تضارب في الصلاحيات، وتشتت في شبكات التحليل، وضعف في التنسيق الميداني، كما أن العقيدة الأمنية التي تركز على “تهديد الداخل” أكثر من “رصد الخارج”، أسهمت في تحويل الجهد الاستخباري نحو مراقبة المعارضة السياسية والدينية، بدلًا من التحول إلى نماذج تحليلية حديثة.

كل تلك الأحداث والسمات تشكّل الأساس الذي جعل إيران عاجزة عن صد الضربات المركبة لاحقًا، خصوصًا مع تطور أساليب العدو – لا سيما إسرائيل – في دمج الاستخبارات البشرية (HUMINT) مع السيبرانية (CYBINT) والمجال الفضائي (GEOINT) في نمط واحد من المواجهة الرمادية.

:

 

خامسًا: تصاعد الاختراقات الأمنية في 2023–2024

بحلول عام 2023 أصبحت نقاط الضعف البنيوية في النظام الاستخباري الإيراني أكثر وضوحًا، لا سيما بعد سلسلة من العمليات الدقيقة التي استهدفت قيادات وقطاعات استراتيجية داخل وخارج إيران، فقد اتسمت تلك المرحلة بارتفاع وتيرة الهجمات السيبرانية، وتزايدت عمليات “الاغتيال غير المعلن”، وتكثف جهود الموساد في اختراق شبكات دعم الحرس الثوري في العراق وسوريا.

1_ الاختراق في العراق وسوريا

في العراق، تمكّنت الاستخبارات الغربية (خاصة الأميركية والإسرائيلية) من رصد تحركات قيادات تابعة للفصائل المدعومة من إيران، مما أدى إلى اغتيال قيادات ميدانية في كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، وسط تواطؤ داخلي أحيانًا، وغياب التنسيق الأمني الإيراني المباشر، كما ساهمت الخلافات بين قيادات الحرس الثوري وفيلق بدر من جهة، وبين بعض الفصائل الميدانية من جهة أخرى، في تعقيد عمليات التأمين والتخفي.

أما في سوريا، فقد استمرت إسرائيل في تنفيذ ما يُعرف بسياسة “المعركة بين الحروب”، حيث شنت خلال عامي 2023 و2024 أكثر من 80 غارة جوية ضد مواقع الحرس الثوري، ومخازن الأسلحة في دير الزور ومحيط دمشق، وغالبًا ما كانت الضربات تعتمد على معلومات استخبارية دقيقة تم تسريبها من مصادر محلية أو عبر طائرات استطلاع غير مأهولة¹.

2_الانكشاف السيبراني والبنية التحتية

في المجال السيبراني، شهد عام 2023 ذروة الهجمات على أنظمة الملاحة والاتصالات، أبرزها الهجوم على ميناء بندر عباس، الذي تسبب بتعطيل سلسلة الإمداد لأكثر من أسبوع، بالإضافة إلى تقارير عن اختراقات استهدفت “مصرف سينا” و”منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، و هذه الهجمات ترافقت مع تسريبات إعلامية متكررة عن عملاء مزدوجين داخل المؤسسات الرسمية، لا سيما من العاملين في قطاعات التكنولوجيا.

 

 

3_ أزمة الثقة داخل المنظومة الأمنية

أدت هذه الهجمات إلى تآكل الثقة داخل النظام الأمني نفسه. فقد ظهرت مؤشرات على تفكيك شبكات أمنية كانت على علاقة مباشرة بالحرس الثوري، واستُبدلت بقيادات موالية بشكل أكبر للمرشد، ما خلق حالة من التسييس المفرط في التعيينات الأمنية، وبدلًا من التركيز على ترميم منظومة الاستخبارات، انصبّ الجهد على “التطهير الداخلي”، الأمر الذي زاد من التوتر بين الأجهزة المختلفة، وعطل القدرة على إنتاج تحليلات استراتيجية منسقة، وقد انعكس ذلك لاحقًا في فشل طهران في كشف أو منع اختراقات متزامنة شملت أنظمة الطيران والمراقبة الحدودية، ما جعلها أكثر عُرضة لعمليات الاستهداف في عام 2025.

 

سادسًا: الانكشاف الاستخباري في حرب يونيو 2025

لم يكن الهجوم الواسع الذي نفّذته إسرائيل في 13 حزيران/يونيو 2025 ضد أكثر من 100 موقع عسكري وأمني داخل إيران حدثًا مفاجئًا أو معزولًا، بل جاء في سياق تراكم استخباراتي متقن، عكس هشاشة المنظومة الأمنية الإيرانية وعجزها عن التنبؤ والردع. الهجوم الذي جمع بين عمليات إلكترونية وهجمات جوية دقيقة، كشف حجم التغلغل الاستخباراتي داخل العمق الإيراني، خاصة أن الضربات طالت مقرات حساسة للحرس الثوري، ومواقع أُعدت لتكون بدائل استراتيجية في حال اندلاع حرب شاملة.

كما سبق هذا الحدث ضربة بالغة الرمزية في 27 أيلول/سبتمبر 2024، تمثلت في اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، في عملية نوعية نُسبت إلى جهاز الموساد الإسرائيلي بالتعاون مع شبكات استخباراتية إقليمية، فإن عملية الاغتيال هذه لم تكن فقط ضربة قاصمة لحزب الله، بل مثّلت انهيارًا استخباراتيًا لإيران نفسها، إذ فشلت أجهزتها في تحذير أو حماية أبرز أذرعها الإقليمية في المنطقة.

إن اغتيال نصر الله مثّل نقطة تحول استراتيجية، إذ أحدث صدمة نفسية وتنظيمية في “محور المقاومة”، وزعزع تماسك البُنى التابعة لطهران في لبنان والعراق وسوريا. كما أن الرد الإيراني كان محدودًا ومربكًا، حيث لم تتمكن طهران من توجيه ضربة انتقامية تعيد التوازن أو الردع، ما شجّع إسرائيل على تصعيد هجماتها لاحقًا في صيف 2025.

وقد مثّلت عملية 13 حزيران 2025 ذروة الانكشاف الاستخباري الإيراني، حيث ترافقت مع فشل في التشويش الإلكتروني، وشلل في منظومات الدفاع الجوي الإيراني، ما أثار تساؤلات داخل الدوائر الإيرانية حول تسرّب المعلومات من داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، خاصة أن بعض المواقع المستهدفة كانت تُدار بسرّية عالية. هذا الانكشاف عزز من القناعة بأن المنظومة الأمنية الإيرانية باتت مخترقة على مستويات متعددة، سواء عبر الوسائل التقنية أو عبر العنصر البشري المزروع في عمق أجهزة القرار.

كما أدت هذه الأحداث إلى تعميق الارتباك في منظومة اتخاذ القرار الإيراني، حيث ظهرت انقسامات داخل النخب السياسية والعسكرية بشأن كيفية التعامل مع هذا التحدي غير التقليدي، خاصة في ظل ضغط الشارع، وتزايد النقد الداخلي لفشل النظام في حماية حلفائه ومؤسساته الحيوية.

 

 

سابعًا: الثغرات البنيوية والثقافية في النظام الأمني الإيراني

يشكل الفشل الاستخباري الإيراني في مواجهة التحديات المتجددة، وخصوصًا في حرب الظل مع إسرائيل، انعكاسًا مباشرًا لمجموعة من الثغرات البنيوية والثقافية التي تنخر منظومة الأمن القومي الإيرانية.

1_ تعدد الأجهزة الاستخباراتية وتضارب المهام تمتلك إيران جهازين رئيسيين للاستخبارات:

  • وزارة الاستخبارات والأمن (MOIS): جهاز مدني يتبع الحكومة، مع مسؤوليات داخلية وخارجية.
  • منظمة استخبارات الحرس الثوري (IRGC Intelligence): جهاز عسكري ذو طبيعة أيديولوجية وثورية، يركز على الأمن الداخلي والسيطرة على الأجهزة الأمنية الأخرى.

هذا التعدد أدى إلى تضارب في الصلاحيات والمهام، وتكرار الجهود، ونقص التنسيق في جمع المعلومات وتحليلها، ما خلق فجوات استخباراتية كبيرة على مستوى القرار الاستراتيجي.

2_  التسييس المفرط للمعلومات الأمنية

تتسم المنظومة الأمنية الإيرانية بتسييس عالي المستوى للمعلومات الاستخبارية، حيث يُعاد تصنيف التهديدات وفقًا للأجندة السياسية والعقائدية للمرشد الأعلى. هذا التسييس يجعل من الصعب على المحللين اتخاذ قرارات موضوعية، إذ تهيمن الحسابات الأيديولوجية على تقييم المخاطر، خصوصًا فيما يتعلق بالوجود الإسرائيلي والغربي في المنطقة.

3_ ضعف الحوكمة الأمنية والرقابية

على الرغم من وجود أجهزة رقابية رسمية، إلا أن غياب حوكمة أمنية متكاملة يسمح بظهور شبكات موازية تابعة للحرس الثوري تعمل بشكل شبه مستقل، مع محدودية إشراف الجهات الحكومية المدنية، مما يفاقم الفوضى التنظيمية ويعرقل تنفيذ الخطط الأمنية الموحدة.

4_ التقنيات والمعدات القديمة

رغم محاولات تحديث الأسلحة والتقنيات، لا تزال منظومة الدفاع الإيرانية تعتمد على أنظمة قديمة مقارنة بالتقدم التكنولوجي الهائل الذي حققته إسرائيل في مجال الحرب الإلكترونية والاستخباراتية، مما يجعلها عرضة للاختراقات المستمرة.

  1. الثقافة الأمنية والإعلامية

تعتمد الثقافة الأمنية على نهج السرد الثوري الذي يرفض الاعتراف بالهزائم أو الفشل، ويعطي الأولوية للخطاب الحماسي على حساب التحليل النقدي، ما يؤدي إلى غياب ثقافة التعلم من الأخطاء، ويعمّق من دائرة التكرار والتجاهل للثغرات.

 

 

ثامناً: السيناريوهات المستقبلية الممكنة للنظام الأمني الإيراني

في ضوء التحولات المتسارعة التي شهدها النظام الأمني الإيراني بين 2020 و2025، تبرز أمام طهران عدة سيناريوهات محتملة لتجاوز أزماتها الاستخباراتية وتحسين قدرتها على الصمود في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

1_ السيناريو الأول: إعادة هيكلة أمنية جذرية

في هذا السيناريو على  إيران ان تتجه إلى إجراء إصلاحات عميقة في جهازها الاستخباراتي من خلال دمج أجهزة الاستخبارات المدنية والعسكرية في هيكل واحد، مع تحديث قدرات التحليل والمراقبة، واعتماد تكنولوجيا متقدمة في الحرب السيبرانية، ويستلزم ذلك تقليص التدخل السياسي المباشر في العمل الاستخباري، وتحسين التنسيق بين الحرس الثوري والوزارة، هذا الخيار قد يُعيد تعزيز ثقة الحلفاء والمجتمع الدولي، ويحد من عمليات الاختراق المستمرة، لكنه يواجه مقاومة من الفصائل الأيديولوجية التي ترى في الأجهزة الحالية ضمانًا لثبات النظام.

2_ السيناريو الثاني: الانكفاء المؤقت والتركيز الداخلي

على إيران في هذا السيناريو التراجع عن بعض المبادرات الخارجية، والتركيز على تقوية الأمن الداخلي، وتثبيت النظام ضد التهديدات السياسية والاجتماعية الداخلية، وقد يشمل ذلك تشديد الرقابة على الوكلاء، وتقليل العمليات الإقليمية، والتعامل مع الهجمات الاستخباراتية بصبر وانتظار تحسن القدرات التكنولوجية، هذا الخيار قد يُبقي إيران في حالة ضعف نسبي على المستوى الإقليمي، ويعزز من فرص تحركات إسرائيل وحلفائها، لكنه يُعد حلًا واقعيًا ضمن سياق الضغوط الدولية والعقوبات.

3_السيناريو الثالث: تصعيد المواجهة وزيادة الهجمات المضادة

يركز هذا السيناريو على تصعيد العمليات الهجومية ضد إسرائيل وحلفائها، من خلال توسيع نطاق حرب الظل، وتعزيز عملاء إيران في المنطقة، مع الاستمرار في عمليات اغتيال واستهداف المواقع الحيوية، ويمكن أن يشمل هذا استخدام تكتيكات جديدة في الحرب السيبرانية والتجسس، مع ذلك، يحمل هذا المسار مخاطر عالية، منها احتمال ردود فعل عسكرية مباشرة من إسرائيل أو دول أخرى، وتصعيد أوسع قد يُفقد إيران بعض نفوذها بسبب التدهور الأمني.

تاسعاً: الخاتمة

كشفت  قراءة التطورات الاستخباراتية الإيرانية بين 2020 و2025 عن أزمة هيكلية عميقة في النظام الأمني، لم تقتصر على إخفاقات تكتيكية أو ميدانية، بل تجاوزتها إلى تحديات بنيوية وثقافية ترتبط بتداخل الأجهزة، وتسييس المعلومات، وضعف الحوكمة الأمنية، إذ أظهرت حرب الظل مع إسرائيل، خاصة عبر أحداث يونيو 2025، هشاشة القدرة الإيرانية على التنبؤ بالتهديدات والتعامل معها بفعالية، ما أدى إلى خسائر رمزية واستراتيجية، أبرزها اغتيال حسن نصر الله واهم العلماء النووين واهم القيادات العسكرية، الذي يمثل صدمة للحلفاء، مع ذلك، فإن النظام يمتلك خيارات متعددة بين الإصلاح العميق، والتركيز الداخلي، أو التصعيد، ولكل خيار مخاطره ونتائجه المحتملة على الصعيد الإقليمي والدولي. فإن فهم هذه الثغرات ومسارات تطورها هو مفتاح لإدراك طبيعة الصراع الإقليمي المتجدد، وما يمكن أن يشكله من تحديات للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

الهوامش والمراجع

  1. Ronen Bergman, Rise and Kill First: The Secret History of Israel’s Targeted Assassinations, Random House, 2020.
  2. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، “حادثة نطنز الثانية: قراءة في الرسائل والدلالات”، 2021.
  3. حسين موسويان، “البنية الأمنية في إيران: تضارب الأجهزة وتنازع السلطة”، مجلة دراسات إيرانية، 2022.
  4. مركز ستراتفور، “تحولات الاستخبارات الحديثة: نموذج المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية”، تقرير تحليلي، 2023.
  5. معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، “الاختراق الإسرائيلي في سوريا: ديناميات جديدة في حرب الظل”، 2024.
  6. المركز الأوروبي للأمن السيبراني، “تحليل الهجمات على البنية التحتية الإيرانية: من نطنز إلى بندر عباس”، 2024.
  7. فاطمة كريم بور، “تنازع القرار الأمني في إيران: بين الحرس الثوري والمؤسسات الرسمية”، مجلة الدراسات الإيرانية، طهران، 2024.
  8. معهد الدفاع الإسرائيلي، “التكنولوجيا الإسرائيلية وتفوقها في الحرب السيبرانية”، تقرير سنوي 2024.
  9. ليلى جلالي، “الثقافة الأمنية الإيرانية بين الثورية والواقعية: قراءة نقدية”، مجلة العلوم السياسية الإيرانية، 2023.
  10. ناصر عبد الله، “تراجع ثقة الوكلاء: انعكاسات الفشل الإيراني على الفصائل الإقليمية”، مركز الدراسات الاستراتيجية، 2025.
  11. مجلة السياسة الإقليمية، “محور المقاومة بين الواقع والتحديات: قراءة في الهزائم الميدانية”، العدد 48، 2025.
  12. مركز كارنيغي للشرق الأوسط، “التوازنات الإقليمية بعد يونيو 2025: إيران وإسرائيل في مواجهة متجددة”، تقرير يونيو 2025.
  13. عبد الله جاسم، “إصلاح الأجهزة الأمنية الإيرانية: تحديات وآفاق”، مجلة دراسات الشرق الأوسط، 2025.
  14. دينا الكردي، “السياسة الداخلية الإيرانية في ظل الضغوط الإقليمية”، مركز دراسات الخليج، 2024.
  15. معهد كارنيغي، “المخاطر المحتملة في تصعيد المواجهة الإيرانية الإسرائيلية”، تقرير استراتيجي، 2025.
  16. Stratfor, “Iran’s Air Defense Collapse on June 13,” Special Intelligence Brief, June 15, 2025.
  17. Walla News & The New York Times, “How Israel Tracked and Killed Hassan Nasrallah,” June 14, 2025.
  18. معهد كارنيغي، “العمق المهزوز: ماذا يعني اغتيال نصر الله لطهران؟”، 17 حزيران 2025.
  19. معهد واشنطن، “إيران تتردد في الرد: أين ذهب سيف محور المقاومة؟”، 2025.
  20. The Guardian, “June 13: A Turning Point in the Shadow War,” June 16, 2025.

 

 

إرسال التعليق

النشاطات