حكومة السوداني بين فرض المحاصصة الطائفية والمثالية في بناء الدولة

الباحث: مصطفى الطالب
مركز نون للدراسات الاستراتيجية والحوار
بعد الإحاطة الأخيرة لجنين بلاسخارت رئيسة البعثة الأممية في العراق أمام مجلس الأمن الدولي، وحديثها عن فشل المنظومة السياسية في تشكيل الحكومة ونقدها اللاذع للنظام السياسي وفواعله في ظرف إقليمي ودولي حرج للغاية، صادق مجلس النواب العراقي بتاريخ 27 / تشرين الأول أكتوبر على حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة رئيس الوزراء محمد السوداني.
وبينما قدم السوداني حكومته المكونة من 23 وزيرا كفريق تكنوقراطي، فإن الواقع يشير إلى أن حكومته ليست كتلة متماسكة بل تجمع قوى متنافسة ومحاصصية. يأتي هذا التطور بعد عام من اجراء الانتخابات تعطلت فيها التوافقات السياسية على منصبي رئيس الجمهورية والوزراء وخلافات القوى حول خياري حكومة “أغلبية” أم حكومة “توافقية”، قد أدخلت العراق في منزلق خطير للغاية كاد يودي بالبلاد إلى اقتتال فصائلي عنيف وحرب أهلية دامية كما لمّح إلى ذلك رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، ولكن استقالة الكتلة الصدرية وتغيّر ميزان الجماعات السياسية داخل البرلمان، فإن جميع تلك الأمور حفزّ الأحزاب والأفراد في مراكز صنع القرار على الإسراع في حسم الخلافات السياسية، والمضي قُدما في تشكيل الحكومة الجديدة، تلافياً لاحتمالات التدخل الدولي في العراق بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. سهّلت من مهمة المفاوضات ما بين الفرقاء، وتحلحلت الأزمة باتجاه التوافق على رئيس الجمهورية مع تكليف مرشح الكتلة الأكبر -الإطار التنسيقي .
المنهاج الحكومي
وعد رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني في تغريدة له على حسابه في تويتر: “سأكون عند حسن الظن بتقديم التشكيلة الوزارية بأقرب وقت، وأنْ تكون حكومةً قويةً وقادرةً على بناء البلد وخدمة المواطنين وحفظ الأمن والاستقرار وبناء علاقاتٍ دوليةٍ متوازنة”. ان النظر الى المنهاج الحكومي نرى انه منهاج مثالي، اذ لو تأملنا بنود وفقرات المنهاج الوزاري لوجدنا خمسة أولويات للحكومة وهي؛ أولا: مكافحة الفساد الإداري والمالي. ثانيا: معالجة ظاهرة البطالة. ثالثا: دعم الفئات الفقيرة. رابعا اصلاح القطاعات الاقتصادية والمالية ودعم القطاع الخاص خامسا: تحسين وتطوير الخدمات للمواطنين.
وعلى الرغم من تنوع وتعدد محاور المنهاج الحكومي ومحاولته الإحاطة بجميع متطلبات المرحلة المقبلة الحالية والقادمة غير انه يلاحظ عدم اختلافه بصورة جوهرية عن المناج الوزاري للحكومات السابقة، اذ تقدر نسبة التشابه بين 75% -80%، اذ يشير المنهاج الى مسالة السيادة الوطنية والوجود العسكري الأجنبي في الأراضي العراقية والاعتداءات المتكررة على العراق وشعبه. ولم يتطرق المنهاج الى مشكلة الجفاف وشحة المياه القادمة من تركيا وإيران، وكذلك لم يتطرق المنهاج بصورة صريحة الى مسألة غلاء أسعار المواد الغذائية، بالإضافة الى ذلك، لم يتطرق المنهاج الوزاري الى الهيئات المستقلة باعتبارها جزء من السياسة العامة للدولة، فضلا عن ذلك لم يتضمن المنهاج مواعيد زمينه محددة لتنفيذ الالتزامات المحددة في بنود المنهاج، لذلك لا يختلف المنهاج الوزاري لحكومة السوداني الجديدة كثيرا عن المنهاج الوزاري للحكومات السابقة، فضلا عن وجود طموح عالي فإن من الصعوبة تنفيذه وترجمته وتطبيقه على ارض الواقع اذ لم يراع التحديات المقبلة في ما يرتبط بالتحديات السياسية، وامكانية إعاقة الحكومة واحتمال انخفاض سعر النفط تحت أي انعطاف في أسواق النفط، فضلا عن اصطدم المنهاج الوزاري بمصالح قوى سياسية والحزبية.
إن الشجاعة الحقيقية للحكومة ومن منظور شعبي خالص تتمثل في ملفين: أولهما ملف مكافحة الفساد وثانيهما ملف محاربة السلاح المنفلت، فإن الاختبار الحقيقي لنجاح حكومة السوداني المرتقبة ستعتمد على إنجاز هذين الملفين اللذين سيكونان مقنعين للرأي العام.
المعارضة
بعد عدم تمكن التيار الصدري من تحقيق أهدافه عبر التصعيد في الشارع، يمكن القول بأن الاستراتيجية الوحيدة المتاحة لمقتدى الصدر هي تهيئة بيئة ملائمة لفشل حكومة السوداني، وهذا يعتمد على طبيعة العلاقة التي ستؤطر الحالة بين الحكومة والصدر. اذ أن عدم صدور موقف سياسي واضح للصدر حول تشكيل الحكومة، يندرج في إطار مراجعة ذاتية لعملية انسحابه من المشهد السياسي، ولا يمكن البناء على هذا السكوت بأن الصدر وضع على الهامش، لذلك فإن تأثير التيار الصدرية خارج السلطة السياسية سيكون موجودا في الشارع والعملية السياسية وفي التفاعلات السياسية حتى وإن كانت خارجها.
أخلص إلى القول، إنه من الصعب تنفيذ هذا البرنامج كونه بحاجة إلى خطة خمسية، يمكن تنفيذها بنسبة بين 50 إلى60 في المئة من البرنامج، وهذا ما سينعكس سلبا على حكومة السوداني التي ألزمت نفسها بتنفيذ ذلك في سنة واحدة ، وكذلك يشير الى ان الوضع السياسي في العراق مرشح للتصعيد في المرحلة المقبلة، بسبب منطق المحاصصة الذي أطر عملية تشكيل الحكومة، وغياب منطق الواقعية في البرنامج الحكومي إلى جانب غياب الصدر وبدأ تحرك ثوار تشرين، تلك التحديات ستجعل حكومة السوداني في مأزق عدم تحقيق الوعود ولا تختلف عن الحكومات السابقة.
المصادر
1- د. مصدق عادل، أستاذ القانون الدستوري المساعد.
2- د. فراس الياس، أستاذ العلاقات الدولية المساعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *