
التواجد العسكري الإسرائيلي في سوريا ولبنان: استراتيجية طويلة الأمد أم تدابير أمنية مؤقتة؟
تشهد المنطقة الحدودية بين إسرائيل وكل من سوريا ولبنان تصاعدًا في التوترات العسكرية، حيث أنشأت إسرائيل شبكة متزايدة من المواقع العسكرية والتحصينات، مبررةً ذلك بحماية أمنها القومي من أي تهديدات مفاجئة، خصوصًا بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023. ورغم التعهدات بالانسحاب من لبنان والتأكيد على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، تظهر المؤشرات أن التواجد العسكري الإسرائيلي قد يمتد إلى أجل غير مسمى. ويتزامن هذا مع توغلات عميقة داخل الأراضي السورية وتعزيز التحصينات الحدودية، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام إسرائيل بالاتفاقيات الدولية والانعكاسات المحتملة على استقرار المنطقة.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن إنشاء إسرائيل شبكة متزايدة من المواقع العسكرية والتحصينات في كل من سوريا ولبنان، مما يعمّق المخاوف من احتمال بقاء طويل الأمد في أجزاء من هذين البلدين.
وبحسب الصحيفة، فإن إسرائيل تقول إنها تسعى إلى منع وقوع هجوم مفاجئ آخر عبر حدودها، على غرار الهجوم الذي قادته حماس في أكتوبر 2023 والذي أشعل الحرب في غزة. لكنها لم توضح إلى متى ستبقى قواتها في أراضي جيرانها، حيث تنشط جماعات معادية لها.ومع ذلك، تظهر مؤشرات على أن إسرائيل تستعد للبقاء إلى أجل غير مسمى، بحسب تحليل بصري أجرته صحيفة نيويورك تايمز.
وأنشأ الجيش الإسرائيلي أبراج مراقبة ووحدات سكنية مسبقة الصنع وطرقًا وبنية تحتية للاتصالات، وفقًا لما ذكره سكان محليون والأمم المتحدة. وتُظهر صورة التُقطت في يناير قرب بلدة جباتا الخشب السورية معدات ثقيلة تعمل في الموقع وجدارًا محيطًا جديدًا.
أكبر تمركز مرئي للقوات كان في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في سوريا، حيث تمركزت القوات الإسرائيلية وأقامت حواجز طرق في أنحاء الإقليم. كما انتشرت القوات خارج هذه المنطقة — التي أُنشئت بعد حرب 1973 — داخل سوريا، بما في ذلك على تلة تطل على قرية كودنة.
اما في لبنان؛ تقول إسرائيل إن قواتها ستبقى في خمسة مواقع في جنوب لبنان لحماية المجتمعات الإسرائيلية من أي هجوم محتمل. وكانت قد تعهدت، كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أواخر نوفمبر، بالانسحاب من لبنان. لكن هذا الموعد تم تمديده، وتجري حاليًا مفاوضات جديدة بين الطرفين.
بالتزامن مع الحرب في غزة، خاضت إسرائيل معارك على حدودها الشمالية مع حزب الله، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران والمتمركزة في لبنان. وقد بدأ حزب الله بإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة على مواقع إسرائيلية عقب هجوم 7 أكتوبر الذي قادته حماس، مما أشعل موجة من الهجمات المتبادلة وتهجير آلاف السكان الإسرائيليين واللبنانيين على جانبي الحدود.
وفي صيف العام الماضي، شنت إسرائيل حملة جوية ضخمة وغزوًا بريًا قتل قيادات بارزة في حزب الله وعددًا كبيرًا من مقاتليه. وتقول السلطات اللبنانية إن النزاع أدى إلى مقتل نحو 4,000 شخص وإصابة أكثر من 16,000.
توغل داخل سوريا
تقول إسرائيل إن وجودها في جنوب سوريا — حيث تملك ما لا يقل عن تسعة مواقع عسكرية — يهدف إلى حماية المجتمعات الإسرائيلية الشمالية. وأعربت عن عدم ثقتها بالحكومة السورية الجديدة بقيادة المتمردين الإسلاميين الذين أطاحوا بالرئيس بشار الأسد أواخر العام الماضي.
بعد أن شنت سوريا ومصر هجومًا مفاجئًا على إسرائيل في 1973، تم التوصل إلى وقف إطلاق نار عام 1974 أدى إلى إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح يُمنع فيها التواجد العسكري من الطرفين. لكن بعد سقوط الأسد، دخلت القوات الإسرائيلية المنطقة العازلة وما بعدها، ونفذت الطائرات الإسرائيلية مئات الضربات على مواقع عسكرية في أنحاء سوريا.
يقول أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، إن بلاده لا تزال ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول إن الاتفاق “انهار” بسقوط الأسد، ويطالب الآن بـ”نزع السلاح الكامل” لجنوب سوريا من قوات النظام الجديد.
وفي الشهر الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن قوات بلاده مستعدة للبقاء “لفترة غير محددة” في المنطقة العازلة، حيث يعيش آلاف السوريين. وأضاف أن القوات تقوم بعمليات توغل أعمق داخل جنوب سوريا.
وفي علامة أخرى، على توسع السيطرة الإسرائيلية، قال كاتس إن حكومته ستبدأ في منح تصاريح لبعض السوريين لدخول الجولان للعمل. وكانت إسرائيل قد احتلت الجولان من سوريا في حرب 1967 وضمّته لاحقًا، وأنشأت مستوطنات فيه. ولا يزال المجتمع الدولي يعتبر الجولان أرضًا سورية محتلة. وفي الأسابيع الأخيرة، شوهدت شاحنات إسرائيلية تعمل على طول المنطقة العازلة. وتُظهر صور التُقطت في يناير مركبات بناء تعمل قرب مدينة القنيطرة. وتُظهر صور أقمار صناعية التقطتها شركة “بلانيت لابز” في 21 يناير موقعًا عسكريًا تم بناؤه مؤخرًا ومساحة مدمّرة تبلغ 75 فدانًا قرب بلدة جباتا الخشب. وقد تمركزت القوات الإسرائيلية في مواقع مهجورة، وأقامت تحصينات وأبراج مراقبة خرسانية، بما في ذلك موقع يطل على بلدتي حضر السورية ومجدل شمس في الجولان.
في مواقع أخرى، تعمل آليات البناء على إنشاء طرق وصول للمواقع العسكرية، وحفر خطوط دفاعية على طول “خط ألفا” الذي يفصل بين الجولان والمنطقة العازلة. وقال الجيش الإسرائيلي إن مهندسيه يعززون الحاجز الحدودي كجزء من جهوده الأمنية.
البقاء في لبنان
في لبنان، أنشأت القوات الإسرائيلية مواقع في خمسة أماكن، رغم الاتفاق المبدئي على الانسحاب في يناير. لطالما خافت إسرائيل من هجوم مفاجئ من قبل حزب الله من جنوب لبنان. وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، كان يفترض أن يتولى الجيش اللبناني السيطرة على هذه المناطق، وقد بدأ بالفعل تنفيذ ذلك. ومع ذلك، تواصل إسرائيل قصف جنوب لبنان بشكل شبه يومي، متهمة حزب الله بانتهاك الهدنة.
ولا يزال أكثر من 90,000 شخص في لبنان نازحين، لا سيما من القرى الحدودية المدمّرة التي تعرضت منازلها للدمار. وتُظهر صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو أن إسرائيل تبني منشآت عسكرية داخل الأراضي اللبنانية على الحدود. وتمكنت صحيفة نيويورك تايمز من تحديد مواقع هذه المواقع الخمسة. وفي أحد المواقع قرب بلدة الخيام في شرق لبنان، تُظهر صور الأقمار الصناعية طريقًا يؤدي إلى منشأة مستطيلة الشكل تحمل خصائص موقع عسكري بُني هذا العام، وتظهر سيارات وشاحنات داخل المنطقة المسوّرة. كما تُظهر صور أخرى علمًا إسرائيليًا مرفوعًا فوق الموقع، وأشجارًا تمت إزالتها في الأسابيع الأخيرة من التل المجاور.
وتم بناء موقع آخر بين بلدتي مركبا وحولا، وتُظهر صور من مارس طريقًا عريضًا جديدًا يؤدي إلى موقع عسكري مستطيل الشكل، وقد أزيل الركام من المنطقة المحيطة. ويبعد موقعان من مواقع قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) مسافة أقل من 400 متر عن هذا الموقع الإسرائيلي الجديد. وتُظهر مقاطع فيديو قوات إسرائيلية تعمل بالقرب منه. وفي موقع آخر قرب بلدة عيترون الحدودية، تُظهر صور الأقمار الصناعية بداية إنشاء منشأة عسكرية مشابهة، مسوّرة ومستطيلة، على قمة جبل. وبالقرب من بلدة المروحين، تُظهر الصور بداية إنشاء منشآت مشابهة على تلة جبل بلات، المطلّة على مستوطنة زرعيت الإسرائيلية. كما تؤكد الصور الجوية ولقطات الفيديو أن كتلًا خرسانية جديدة وأسلاكًا شائكة أُضيفت على طول هذا الجزء من الجدار الحدودي.
وتُظهر لقطات نُشرت من قبل صحفي يعمل في قناة “المنار” التابعة لحزب الله — وتم التحقق منها من قبل نيويورك تايمز — وجود قوات إسرائيلية في الموقع بعد الموعد النهائي للانسحاب. ويظهر في أحد الفيديوهات جندي إسرائيلي يرفع علم بلاده.
إرسال التعليق