أمن المرأة في نينوى من منظور نسوي

م: مها احمد المولى

جامعة الموصل/كلية العلوم السياسية

يعد الأمن أحد المفاهيم المعقدة التي تناولها العديد من الكُتّاب دراسة وتفسيراً، فضلا عن تنوع الاتجاهات النظرية التي عنيت به واعطته أبعادا مختلفة عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وتعد النظرية النسوية أحد ابرز النظريات التي أعطت فهماً مختلفاً للأمن، من خلال توظيفها للنظم الفكرية في دراسة العلاقات الاجتماعية ودراسة الأمن وتأكيدها على النوع الاجتماعي “الجندر” ودوره في تحقيق الأمن والسلام في المجتمعات المختلفة، وتقوم فلسفة الجندر على فكرة مفادها ان التقسيمات والادوار المنوطة بالرجل والمرأة، وكذلك الفروق بينهما، وحتى التصورات المتعلقة بنظرة الذكر لنفسه وللأنثى، وبنظرة الانثى لنفسها وللذكر …الخ، كل ذلك هو من صنع المجتمع وثقافته وافكاره السائدة، أي ان كل ذلك مصطنع ويمكن تغييره، او الغاؤه فتقليدياً ينظر للرجل على انه عنيف، قوي، وعقلاني، اما المرأة فهي عاطفية، سلبية، لكن النسويين يعترضون  على هذا التصنيف وعلى وصف الصفات كمعطى طبيعي، وانما ينظرون اليهما (الذكورة و الانوثة) كبناءات اجتماعية، ويرى منظروا النظرية النسوية أن هناك تهديدات كبيرة لأمن المرأة في العالم ولا زالت المرأة في بعض الدول المتخلفة، تعد أكبر متضرر من النزاعات المسلحة لتعرضها لمختلف اشكال المعاناة والاهانة من اغتصاب وتعذيب واقصاء وتهميش وحتى بعد انتهاء النزاعات تم استبعاد النساء من الفرص التي من شأنها أن تعزز ادماجها في عمليات السلام الرسمية مثل: التعليم، صنع السياسات والحكم وغيرها.

     وتمثل الاوضاع في محافظة نينوى نموذجا أو حالة يمكن دراستها وتحليلها بالاستناد الى الافتراضات الاساسية التي تقدمها النظرية النسوية، سيما وأن مجتمع المحافظة هو مجتمع ذكوري يعلي من شأن الرجل ويهمش دور المرأة في العديد من المجالات ولعل أهمها المجال السياسي والمجال الاقتصادي، وتعود هذه المسألة في جزءٍ كبيرٍ منها الى طبيعة مجتمع نينوى وطبيعة التقاليد والسياقات العرفية والدينية السائدة التي جعلت منه مجتمعاً شبه مغلق لفترة طويلة من الزمن ورافضاً لاي مظاهر التحديث والتطور الاجتماعي سيما فيما يتعلق بوضع المرأة، والى الثقافة والتنشئة الاجتماعية التي كونت التصورات الجندرية  لدى الافراد منذ الصغر بمؤسساتها المختلفة بدءاً من الاسرة مروراً بالمدرسة والرفاق ثم الاعلام ومؤسسات المجتمع المختلفة. ورسخت هذه التصوراًت في الادراك العقلي والحسي والاجتماعي من مراحل النمو المختلفة وجعلتها تتقولب في الاتجاهات ثم في السلوك مع الجنس الاخر، وقد انعكست هذه التصورات الجندرية على النظر الى دور الرجل القوي، القادر على القيام بمختلف الاعمال والذي يحكم عقله في كل شيء وتصورات عن دور المرأة وعملها في المنزل بالإضافة الى ضعفها وتميزها بالعاطفة وهذه التصوراًت خلقت تمييزاً جندرياً اصبح جزءاً من تفكير وثقافة المجتمع  في نينوى وانعكس على مجمل الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها.

         ففي مجال العمل السياسي فالنظرة السائدة هي انه يتطلب بعض المهارات التي لا تتوفر في العديد من النساء وان النساء غير قادرات على الدخول في ميدان السياسة لاعتبارات تتعلق بقدراتها وامكانياتها المحدودة مقارنة بالرجل وهذا ماتسبب بالحد من مشاركتها في الحياة السياسية، وحتى النساء اللاتي فسح لهن المجال للعمل في السياسة وحصلن على مقاعد سواء في مجلس المحافظة أم في مجلس النواب فإن الفضل يعود لنظام “الكوتا” المطبق في العراق وليس بسبب انتخابهن من قبل جمهور الناخبين، اما في المجال الاقتصادي فإن المرأة في نينوى لا تشارك في الحياة الاقتصادية وسيما في القطاع الخاص التي يكاد يكون دورها فيه شبه معدوم وقد كان للتمييز الجندري دور كبير في ابعاها عن سوق العمل وتحولها الى عبء يثقل كاهل رب الاسرة بدلاً من ان تكون احد اهم عوامل التنمية في المجتمع كما في الدول المتقدمة، كذلك كان للمرأة الموصلية حصة كبيرة من المعاناة من هذا الدمار الذي خلفة النزاع المسلح مع تنظيم داعش فبالإضافة الى الزيادة الهائلة في عدد الارامل وتحولهن الى معيلات لعوائلهن، فلم يفسح لهنّ المجال للعمل والنهوض اقتصادياً، كما اصبحت العديد من النساء الموصليات يعشنَّ ظروفاً قاسية في مخيمات النزوح وحتى الرواتب التي خصصتها الدولة العراقية ضمن شبكات الرعاية الاجتماعية فهي قليلة ولا تسد الحاجة الضرورية لهن.

     واخيراً يمكن القول ان تحقق امن النساء في نينوى يتطلب ان يكون لديهن دور اكبر في المجال السياسي سيما و أن بعض النساء تمتلك القدرة على تغيير مسار النزاعات نحو السلام بما لها من مميزات، ويمكن أن يكون لها دور أكبر عندما تكون منظمة ومؤهلة  وقادرة على العمل، وهو ما يتطلب فسح المجال لها ودعمها للمساهمة والمشاركة في مختلف المشاريع والانشطة كذلك فإن طبيعة تفكير المرأة الذي يميل الى السلم وينبذ العنف يمكن أن يساهم في صياغة سياسات سليمة إذا ما اعطيت الفرصة للمرأة في المجال السياسي، اما في المجال الاقتصادي اما في المجال الاقتصادي،  فيمكن القول أن هناك العديد من النساء في نينوى عاطلات عن العمل واذا ما تم فسح المجال لهنَّ للعمل فسوف يساعد ذلك على نهضة إقتصاد المحافظة ويعزز الأمن والسلام فيها، فتحسين فرص المرأة لكسب الدخل والتحكم فيه يمكن أن يسهم في توسيع نطاق التنمية الاقتصادية، فالمرأة يرجح لها بدرجة أكبر من الرجل ان تستثمر جزءاً كبيراً من دخل اسرتها المعيشي في تعليم ابنائها، وتشير منظمة العمل الدولية الى ان عمل المرأة مدفوع الاجر وغير مدفوع الاجر، ويمكن أن يكون أهم عامل على الاطلاق للحد من الفقر في الاقتصاديات النامية ويمكن بالتالي ان تسفر زيادة مشاركة الاناث في القوى العاملة وحصولهن على دخل اكبر عن زيادة الانفاق على التحاق الاطفال، بمن فيهم الفتيات بالتعليم مما يتسبب في دورة حميدة، حين تصبح النساء المتعلمات قدوة للإناث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *