جدلية الادارة و الحكمظافر ال عيسى / إستشاري – ادارة التغيير وتقويم الاداء. (الحلقة الأولى من ثلاثة)———————————
لطالما تربع مفهوم الحكم والحاكمية كهاجس في عقول معظم الناس، مهما اختلفت صور هذا الحكم وايديولوجياته ومواصفاته.ولو نظرنا عبر التاريخ وعبر الجغرافية للذين حكموا البلاد والعباد نجدها ضمن احد النماذج الاربعه ادناه:-١- الحكم بالتوريث وهي ان يورث المُلك في (المال والبنون)، تراضياً او قسراً بين المتوارثين وأقاربهم؛٢- الحكم بحسب نظرية صدارة الكاهن الذي يكون (الاعلم والأجدر إلخ) في التعامل مع قوى الطبيعة كالفيضانات والبركان والمطر الخ. وامتدت الصدارة الى رجال الدين (إن كان دنيويا أو سماويا)؛٣- الحكم من الشعب وللشعب وبالشعب، فرادى او احزاباً وهو كل ما يدور في غير (١) & (٢) أعلاه بأي شكل او نموذج من نماذج الثورات او الديموقراطيات؛٤- طفرات استثنائيه هنا وهناك ليست مجال اهتمامنا. وقد يتم الجمع بين (١) & (٣) كما في الملكيات الدستورية.وأياً من الأصناف الاربعه أعلاه، في رحلة الوصول او التمسك بسدة الحكم، لا يستبعد المرور بحمامات الدم ومعاناة الناس في مراحل متقدمة من مراحل القبض على كرسي الحكم. وأود الاستئذان في التركيز على تلك الدول ضمن الشريحة في الفقرة (٣) أعلاه، حيث يتم اختيار ( الرئيس او رئيس وزراء) من شريحة معينة تعليمياً و/أو تطبيقياً.وقد لاحظت من مراجعة سريعة لرؤوس الهرم وقادته في الدول المتقدمة، فوجدتها تكاد تقريباً تنحصر في اغلب الاحيان الا من بعض الاستثناءات على :– القانونيين؛ و – الإداريين؛ و- الاقتصاديين.ومن في حكمهم في هذه العلوم المتخصصة المتكاملة التي تهدف بمجملها إلى استمزاج -التشريع ونظام الضبط، و-رفع كفاءة الأداء والعمل وبيئته وأخيراً -حسن استغلال وتوظيف الموارد بشكل او بآخر.ففي أمريكا تجد ان أغلب الرؤساء من المحامين وخريجي إدارة الاعمال (الاداريون) مع بعض الاستثناءات القليلة. بينما في اليابان جاء الغالبية من خلفيات اقتصادية. وفي المانيا فأغلبهم من القانونيون. وفي فرنسا من خريجي المعهد الوطني للادارة. ولذا قد يكمن السر في تسميتها الإدارة الامريكية كإشارة واضحة لمواصفات المطلوب لشغل وظائف الخدمة العامة.احدى اهم مشاكلنا نحن العرب عموما والعراقيون خصوصًا اننا نظن ان “ادارة الدولة او (الحكم)” هي هِبه أو مَلَكَه سماوية أو حاسّة من الحواس وهبها الله لجميع الناس كما وهبهم السمع والأبصار ولا تقتضي بالضرورة وجود تحصيل للعلوم الادارية او تدريب على ممارستها، ومن ثم هي ليست بالضرورة (علما وفناً) تضمنت في بناء عروقها اسساً وقواعداً تراكمت عبر تجارب ودراسات تخصصية عريقة، أو إنها خبرة ميدانية عملية ليست بالقصيرة في الخدمة العامة، أو أنها الاثنين معا. تصوروا لو اننا طبقنا مفهوم الهِبة الربانية في ادارة الدولة على ممارسة الطب مثلا فهل يمكن ان نتقبل ارسال المريض الى شخص (موهوب) او قرأ عشرات المقالات الطبية في الانترنت ليعالجه بدل ان نرسله للطبيب؟وهل يا ترى يمكن ان نكلف رجل الدين مسؤولية التنقيب عن النفط، وهل يمكن ان نجد حلول بناء ناطحات السحاب لدى مهندس الزراعة.إن اتفقت مداركنا في حدها الادنى على الجواب بأنه “لا”، اذاً تحت أي منطق قبلنا ان نسلم “إدارة الدولة” لمن اجاد الخطابة وجمع الناس حول الوعود والكلام المعسول فقط، وأغلبهم من سياسي الصدفة والمظلومية، ومعظمهم من تخصصات وخبرة لا تمت بصلة لإدارة الدولة. ثم نتصدر الان لنحاسبهم ونسائلهم عن فشلهم وسوء الادارة الذي يتعثروا فيه. برأيي الشخصي فإن أفضل من ينجح في قيادة الدولة هم المتخصصون في ادارة الدولة على ان يكون الحد الادنى في تحصيلهم العلمي ان نهلوا ولو جزئياً من علوم القانون و/او الادارة و/او الاقتصاد و/او تطبيقاتهم عملياً. وسأوضح لكم ذلك في الحلقة الثانية القادمة.