لماذا الخيار السياسي المحلي هو الحل في نينوى ؟

الدكتور طلال فتحي / طبيب ومدون – باحث في الشأن السياسي

لمعرفة الاجابة على هذا السؤال الجوهري يجب معرفة شكل العقد الاجتماعي الوطني الجديد في العراق.بعد عام ٢٠٠٣ ساعدت عدة عوامل على تقوقع المكونات على نفسها مناطقياً وسياسياً، ومن اهم هذه العوامل١- النخبة السياسية الطائفية والقومية التي شكلت النظام الحالي على أُسس المعارضة السابقة للنظام السابق.٢- دستور ٢٠٠٥ الذي كتبته نفس النخبة الطائفية والقومية، وكرست به هذه التقسيمات واسست لهويات فرعية على حساب الهوية الوطنية.٣- الأوضاع الأمنية الهشة والعنف الطائفي والمناطقي الذي قلل الاختلاط وعزز التباعد الاجتماعي بين أقاليم ومحافظات العراق.٤- سياسة التهجير والتطهير العرقي، والتغيير الديموغرافي التي مارستها المليشيات والجماعات الإرهابية وبعض الأحزاب.٥- العنف والتحريض الإعلامي، وتسييس وتوظيف الشعائر الدينية لتعزيز الانقسام المجتمعي باستحضار الصراعات المذهبية التاريخية.٦- ازدواجية الحكم بين الدولة الرسمية المنبثقة من البرلمان، والدولة الرديفة المنبثقة من السلاح.نتيجة لكل هذه المؤثرات أصبح المجتمع العراقي مقسم الى ثلاثة اقسام كبيرة، ومجموعة من الأقليات الاجتماعية تتنقل في ولائها السياسي بين الكتل الاجتماعية الرئيسية حسب تغير الأوضاع والتوازنات.في غياب المواطنة الحقيقية والشراكة السياسية الحقيقية واستئثار أحزاب السلطة بصناعة القرار وتهميش المكون العربي السني وتسليط سياسيين فاشلين وفاسدين على هذا المكون ليكونوا اكثر تقبلاً لأوامر وقرارات أحزاب السلطة، فإن العقد الاجتماعي الجديد هو عقد تشاركي بين مكونات ينظم العلاقة بينهم دستور فدرالي، وهذا ما أدركه الاكراد مبكراً حتى قبل كتابة الدستور، واصروا على تدوينه بالدستور، مستفيدين من خبرتهم الطويلة بهذه الأحزاب منذ حقبة المعارضة، ومن استقلالهم الأمني المتحقق على الأرض منذ عام ١٩٩٢، ومن أسس قانونية حصلوا عليها في قانون الحكم الذاتي عام ١٩٧٠.العقد التشاركيإن العقد الاجتماعي الحالي بين إقليم كردستان وأحزاب السلطة هو عقد تشاركي أقرب إلى اتحاد كونفدرالي ، وهو الحالة السياسية والأمنية والاقتصادية المثالية التي أنتجت تجربة اقليم كردستان الناجحة.وجنبت الإقليم كل أزمات العراق الامنية وازدواجية السلاح والدولة.جرت محاولة يتيمة من قبل محافظ نينوى الاسبق اثيل النجيفي لتحويل محافظة نينوى الى اقليم اداري وفق الاطر الدستورية والقانونية ولكنه اصطدم برفض أحزاب السلطة في بغداد التي لن يروق لها التعامل مع نينوى بندية، و بعقد اجتماعي وسياسي تشاركي مثل اقليم كردستان.وقد أثبتت تجربة الانبطاح الكامل أمام الحكم المركزي منذ ٢٠١٧ ان هذا الاسلوب لم يوفر لمحافظة نينوى الازدهار ولا الخدمات، ولم يوفر لمواطنيها الكرامة والمساواة، بل على العكس، زاد الفوضى العشائرية واضعف الدولة بمفهومها الرسمي ، ووسع دائرة التجاوز على المال العام، و حول محافظة نينوى الى ساحة صراعات محلية ودولية ليست نينوى طرف بها، مثل الصراع الامريكي الايراني الذي يترجم على شكل قصف متكرر من داخل حدود نينوى للقواعد الامريكية في اربيل، والصراع الايراني التركي والتركي- التركي بين الحكومة التركية وحزب العمال التركي المعارض، كما يحدث في مخمور وسنجار.اذن نحن بحاجة الى بناء مشروع سياسي محلي ينطلق من تصور محلي يفهم العقد الاجتماعي الجديد، ويعمل على تقوية كيان نينوى السياسي والاقتصادي ثم الأمني لتكون إرادة نينوى هي المتحكم بمصيرها، وهذه الارادة هي القادرة على الجلوس على الطاولة مع باقي الكيانات العراقية مثل كردستان، والفصائل الشيعية والحكومة الفيدرالية، لتتفاوض بندية وتشارك مشاركة فعلية بصنع القرار العراقي العام داخلياً وخارجياً.هل الخيار المحلي بديل عن الخيار الوطني ؟!الجواب قطعاً لا ، ليس المشروع المحلي في نينوى بديلا عن المشروع الوطني الجامع، وهنا نحن بحاجة الى شيء من التفصيل.١- إن النفس الوحدوي والعروبي عند الأغلبية الاجتماعية في محافظة نينوى كفيل بضمان عدم تولد اي نزعة انفصالية في المشروع المحلي لنينوى على غرار النزعة الانفصالية للمشروع الكردستاني.٢- ان اشتراك الأغلبية الاجتماعية في محافظة نينوى مع الأكراد بالمذهب السني، ومع وسط وجنوب العراق بالقومية العربية سوف يجعل من المشروع المحلي لنينوى جسر وصل ثنائي القطبية قادر على ربط وسط وجنوب العراق مع شماله، لأنه يحمل مشتركات مهمة مع كل الأطراف.٣- وجود مشروع محلي قوي في نينوى سيجعل منها بوابة العراق على العالم العربي السني المستقطب طائفياً وسياسياً ضد ايران، والعراق بشكله الحالي، وسوف تساعد نينوى القوية على زيادة مقبولية العراق، وبالتالي إحلال التعاون بدل التآمر والتصارع مع الدول العربية.في الختام اعتقد بان المشروع المحلي لنينوى ليس قضية وجودية لأهالي المحافظة ومستقبلهم فحسب، وإنما هو ضمان استمرار للعراق ككل، وملاذاً امناً للدولة والمجتمع العراقي في حال انهارت منظومة الحكم العراقية الحالية وتشضت الى دويلات، لان اربيل غير مؤهلة لزعامة واعادة بناء دولة عراقية عربية موحدة، بينما تمتلك الموصل هذه القدرة والرغبة، فالموصل ذخر للعراق لو تمت تقويتها، وعزلها عن الصراعات الشيعية- الشيعية القادمة#مركز_نون_للدراسات_الاستراتيجية_و_الحوار#نينوى#الموصل