الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد : فمن المسلَّمات الشرعية أنَّ الإسلام دين الاعتدال والوسطية ، ودين بناء الأرض وعمارتها بما يحقق الأمان والرخاء للبشرية جمعاء . قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً ) [ البقرة / 143 ] . ولمَّا كان الإسلام دين الاعتدال والوسطية اتسم برفع الحرج والمشقة عن العباد ، والتخفيف عنهم كي تستقيم الحياة وتعتدل شؤونها ، قال تعالى : ( مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) [ المائدة / 6 ] ، وقال عزَّ وجلَّ : ( يُرِيْدُ اللهُ بِكُمَ اليُسْرَ وَلا يُرِيْدُ بِكُمُ العُسْرَ ) [ البقرة / 185 ] ، والآيات القرآنية في هذا المعنى كثيرة ومتوافرة ، وهي تؤيد عقيدة المسلمين برفع الحرج والمشقة ، وترسخ مفاهيم الاعتدال والوسطية في الفرد والمجتمع . ولكن الفهم الخاطيء لنصوص الكتاب والسنة ، وتصدُّر أشباه المثقفين للفتوى ، والتسرع في إصدار الأحكام الشرعية دون روية أدَّى إلى ظهور خطاب ديني متشدد يعتمد التكفير منهجاً له وعقيدةً وسلوكاً يعمل على تحقيقه ونشره في المجتمع بشتى الطرق ، حتى لو كان بالعنف والقوة والقتل وسفك الدماء ، وهذا ما رأيناه واقعاً حياً مريراً في سلوكيات ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) . وصار لزاماً على أرباب المنابر من علماء وخطباء ودعاة وإعلاميين وسياسيين أن يفكروا تفكيراً جاداً في إعادة تشكيل الخطاب الديني ، ويعملوا على تغييره بما يتفق مع عقيدة الإسلام التي جاء بها القرآن والسنة بعيداً عن الآراء الشاذة والأفكار الهدامة . ومن هنا جاءت هذه الدراسة لتطرح وجهة نظر متواضعة في ( إعادة تشكيل الخطاب الديني بعد داعش ) برؤية عقائدية ، والتي أرجو أن تسهم في نشر مفاهيم الاعتدال والوسطية ونبذ الغلو والتطرف والتكفير ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .