لماذا فشل السوداني في أول اختبار؟
أنس السالم
بعد نحو 20 سنة على النظام السياسي في العراق، ورغم التضحيات التي قدمت والتي كان آخرها في انتفاضة تشرين التاريخية، للخلاص من المحاصصة السياسية والطائفية، إلا أنها ذهبت هباءً في ظل وجود طبقة سياسية تسعى لترسيخ المبدأ المحاصصاتي في البلاد.
ورغم مرور أكثر من عام على انسداد سياسي ودستوري شهده العراق، جراء الخلافات بين زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، المنادي بحكومة “الأغلبية الوطنية” وبين قوى “الإطار التنسيقي” المطالبة بحكومة توافقية على غرار السنوات السابقة، نجحت الأخيرة بالوقوف بوجه الصدر وثنيه عن تشكيل حكومته من خلال ما يعرف بـ “الثلث المعطل” ما دفعه إلى الانسحاب من المشهد السياسي.
بعد انسحاب الصدر تغيرت خارطة التحالفات السياسية وأصبح الخاسر فائرًا وبالعكس، وشرعت قوى الإطار بتشكيل الحكومة بوصفها “الكتلة الأكبر” واختيار محمد شياع السوداني مرشحا لرئاسة الوزراء.
وبالفعل، انتخب البرلمان العراقي في 5 من الشهر الجاري، عبد اللطيف رشيد رئيسا للجمهورية والذي كلف بدوره السوداني بتشكيل الحكومة المقبلة بعد مخاض عسير.
خطاب السوداني
لم يختلف خطاب السوداني وتعهداته عمن سبقه، فالجميع تعهد بمحاسبة الفاسدين وحصر السلاح المنظفات بيد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء دولة المؤسسات، إلا أنهم لم يحققوا شيئًا من هذه الوعود وبقي النظام المحاصصتي في العراق سائدا حتى أصبح عرفًا سياسيًا.
يرى البعض أن السوداني سيحظى بدعم الإطار التنسيقي من أجل تنفيذ برنامجه الحكومي، لاسيما وأن الحكومة المرتقبة سيتحمل الإطار لوحده فشلها ونجاحها، فضلاً عن الشارع الاحتجاجي الغاضب (تشرين) على الطبقة السياسية، وتحمل التيار الصدري على الحكومة الجديدة باعتبارها أجهضت مشروع الصدر الإصلاحي.
القضاء على المحاصصة
السوداني فشل مبكرًا في أول وعوده بشأن إنهاء النظام المحاصصتي في البلاد، بعد التسريبات التي تحدثت عن تقسيم الحقائب الوزارية على الكتل السياسية، فقد كان نصيب المكون الشيعي 12 وزارة موزعة على قوى الإطار التنسيقي (يضم دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وكتلة الفتح بزعامة هادي العامري، وقوى وفصائل أخرى موالية لإيران)، وحصل المكون السني على 6 وزارات موزعة على تحالف السيادة (بزعامة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر) وتحالف عزم (برئاسة مثنى السامرائي) وحزب الجماهير الوطنية (برئاسة أحمد الجبوري أبو مازن)، فيما حصل المكون الكردي على 4 وزارات من المرجح أن يحصل الاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة بافل طالباني) على واحدة فيما تكون البقية من حصة الحزب الديموقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود بارزاني).
إذن ستتشكل حكومة السوداني وفق المعايير التي تختارها الكتل والأحزاب السياسية في وزرائها، بعد تعهدهم بتنفيذ قرارات قادة هذه الأحزاب وأخذ جميع التعهدات ولعل من أبرزها القسم على القرآن بالولاء للحزب، كما حصل مع وزير الصناعة السابق، صالح الجبوري، ومحافظ نينوى السابق، منصور المرعيد، أو تقديم الاستقالة مسبقًا.
الخلاصة، إن تغيير النظام السياسي في العراق، ومحاسبة الفاسدين، وإنهاء السلاح المنفلت، أمر يصعب تحقيقه، لاسيما وأن القوى السياسية الموجودة هي من تشكل المشهد السياسي الحالي، ولن تفكر بالتخلي عن مكاسبها المادية والمعنوية.
وهنا نسأل من يرى أن حكومة السوداني ستفي بالتزاماتها الدستورية في إنهاء النظام المحاصصتي ومحاسبة الفاسدين وتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين وحصر السلاح المنفلت بيد الدولة، كيف يمكن تحقيق ذلك والسوداني مرشح عن قوى وأحزاب متهمة بالفساد ولديها أذرع مسلحة؟.