الاخبار

سوريا في مرحلة ما بعد الأسد: قراءة في التحديات والفرص (السياسية والاقتصادية والاجتماعية)

م.م. مروة حامد الحمداني
باحثة بالشأن الأمني والاستراتيجي
شهدت الدولة السورية منذ عام 2011 أزمات وتحديات معقدة أدت إلى تدهور الوضع السوري وبشكل غير مسبوق ترك أثرهُ العميق على مختلف النواحي البيئة السورية (السياسية والاجتماعية والاقتصادية)،إذ أسفرت عن تدمير واسع للبنة التحتية وقتل مئات الآلاف من القتلى والجرحى هذا غير هجرة الملايين من السورين الى خارج البلد ورغم كل هذا الدمار ورغم كل الضغوطات الخارجية لكن بشار الأسد تمسك بالحكم ومارس مع الشعب السوري أبشع الاساليب مدعوماً من قوى دولية وإقليمية ( إيران وروسيا)، ولكن في ظل التطورات الاخيرة في المنطقة وتحديداً في فجر 8 ديسمبر حدث تحول غير متوقع فمع تقدم الفصائل المعارضة وسيطرتها على عدد من المدن والمناطق الاستراتيجية، و مع هروب بشار الأسد الى روسيا وترك منصب الرئاسة فارغاً دخلت البلاد مرحلة أخرى أكثر تعقيداً، لذا سيركز هذا المقال على تحليل ديناميكيات المرحلة الانتقالية، وكذلك سنستعرض التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما سنسلط الضوء على الفرص المحتملة لإعادة بناء الدولة السورية على اسس ديمقراطية.
المحور الأول: تحديات الفراغ السياسي
إن التغيرات التي حصلت في 8 ديسمبر في سوريا وهروب بشار الأسد يعد تطوراً مذهلاً بل زلزالاً عظيماً هز المنطقة وسوريا، فسوريا ما بعد عهد بشار الأسد ستكون بالتأكيد أمام تحديات ضخمة في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والأمنية، ويمكن القول إن تغير النظام السياسي والانتقال إلى الديمقراطية قد يزيد من زعزعة الاستقرار الأمني في سوريا.
فبعد هذا التاريخ دخلت الدولة السورية في فراغ سياسي، و هذا الفراغ أصبح محط أنظار عدة قوى للتنافس عليه بما في ذلك المجاميع المسلحة المسيطرة( قسد) على بعض المناطق السورية ، وكذلك المعارضة السياسية، ولا ننسى أطماع بعض الفاعلين الدوليين والإقليمين، وهذا التنافس في تعزيز المكاسب على حساب الأخرين قد يجر البلاد إلى احتمالية نشوب صراعات بينهم وخلق حالة من عدم الاستقرار المزمن، خاصة وإن البلاد بحاجة إلى إعادة صياغة نظام سياسي ودستوري جديد يضمن التعددية الاجتماعية والسياسية ويحترم حقوق الإنسان، وأن يعملوا على بناء دولة قوية تقوم على العدالة والمساواة،لذا على القوى المسيطرة على الساحة السورية اليوم ان تحقق التوافق في ظل هذا الانقسام السياسي والميداني، ومنع استخدام سوريا كساحة صراع.
المحور الثاني: تحديات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
مع سقوط نظام بشار الأسد أصبح الاقتصاد السوري أمام تحديات جمة خاصة بعد أن تركت السنوات السابقة إرثًا ثقيلًا من الدمار في البنية التحتية، والانهيار في القطاعات الإنتاجية، هذا غير الانخفاض الحاد في مستوى المعيشة، مما يضع سوريا في مواجهة معقدة ومهمة لإعادة الإعمار واستعادة التوازن الاقتصادي. إذ اعترفت الحكومة الانتقالية الجديدة التي تم تعيينها قبيل أيام قليلة بصعوبة الوضع الاقتصادي السوري، وقال رئيس مجلس الوزراء محمد البشير “إن خزائن الدولة ليس بها نقوداً سوى بالليرة السورية وأنها لا تمتلك سيولة كافية بالعملات الأجنبية في الوقت الحالي، واصفاً الوضع المالي للبلاد بأنه “بالغ السوء”.
فالمرحلة الراهنة الاقتصاد السوري يحتاج إلى الاستثمارات الأجنبية والمساعدات من قبل الدول الجوار والدول العربية والأجنبية والمنظمات ، بالإضافة إلى رفع العقوبات عنها، لذا سيكون السوريين أمام مرحلة صعبة في مدى قدرتهم على تجاوز آثار الحرب، وإعادة بناء وطنهم بما يضمن التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.
كما من أهم التحديات هو ملف اللاجئين والنازحين وتنسيق عودتهم الى وطنهم و ما يحتاج من جهود كبرى لإعادة دمجهم وإعادتهم الى مناطق سكناهم وإعادة تأهيل تلك المناطق بسبب ما صابها من دمار جراء القصف من قبل قوات بشار الأسد، فسيناريو البناء الداخلي هو الأكثر واقعياً ولابد على الحكومة الانتقالية الجديدة بداية ضمان عودة المهجرين واللاجئين وأصحاب رأس المال والمنشآت سواء الذين هاجروا خلال سنوات الحرب أو حتى المقيمين في الخارج
كما على القوى الجديدة كسب ثقة الفاعلين الدوليين وخاصة الأمم المتحدة لمساعدتها في الدعم والتمويل لتأهيل البنى التحتية خاصة وإن أغلب المناطق السورية بحاجة لكل الخدمات في الوقت الحالي من (اتصالات وكهرباء، وطرق، ومشاريع صرف صحي، وبنى تحتية) خاصة مدينتي حلب وحمص، ومدن وبلدات وقرى الأرياف المدمرة في كل المحافظات.
المحور الثالث: الفرص المتاحة:
صحيح إن من السابق لأوانه تحديد المرحلة المقبلة في سوريا إلا أن هناك عدة فرص يمكن العمل عليها لبناء الدولة الحرة الديمقراطية في سوريا، فقد أصبحت سوريا في مرحلة ما بعد الأسد تثير اهتماماً واسعاً وعلى مختلف المستويات( المحلية والإقليمية والدولية) فهذه المرحلة تعد حرجة جداً بالنسبة لمستقبل سوريا والمنطقة خاصة إذا لم يتم التعامل معها بحكمة وتخطيط استراتيجي، فلابد أن يكون التغير السياسي الذي حصل نقطة تحول نحو مستقبل زاهر وأكثر استقراراً لا العكس، لذا في هذا المحور سنطرح عدد من المقترحات والتي قد تساهم في بناء الدولة السورية وفق رؤية واضحة وإدارة سياسية قوية وذلك من خلال :
أولاً: إن انتهاء عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد يفتح المجال في إمكانية بناء نظام سياسي جديد ديمقراطي يضمن التعددية والمساواة ويعزز المواطنة ويعزز دور المجتمع المدني في قيادة هذا التغيير والأهم ان يشمل هذا التغيير تغييرات دستورية تعمل على فصل السلطات وتعزيز المشاركة السياسية.
ثانياً: على القوى المسيطرة في الساحة السورية أن تعزز بناء الوحدة الوطنية، وتتجاوز الانقسامات (الطائفية والقومية والعرقية) وذلك من خلال تعزيز حوار وطني شامل، وتعزيز الهوية الوطنية على أسس المواطنة والتعايش والعمل على إعادة دمج النازحين واللاجئين الذين فرو من الحرب.
ثالثاً: العمل على كسب الدعم الدولي لإعادة إعمار البنى التحتية السورية خاصة بعد استقرار الاوضاع، كما إن مشاريع التنمية لها دور كبير في عودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية الى الشعب السوري.
الخاتمة:
دخلت سوريا مرحة حاسمة في تاريخها السياسي مع هروب الرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر إذ أصبحت الدولة السورية أمام تحديات كبيرة جديدة، لكن هذا التغيير مثل ما يمتلك التحديات يمتلك الفرص، وفرص فريدة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة إذا ما تم التعامل مع هذا التغيير بشكل صحيح.
إذاً يتطلب نجاح المرحلة الانتقالية الجديدة تحقيق التوافق الداخلي كما هي بحاجة ماسة الى دعم دولي وإقليمي مع التركيز على تعزيز الوحدة الوطنية والعدالة والمساواة، فعلى السورين التوحد لإعادة تشكيل مستقبل بلاهم من جديد وتجاوز إرث الأزمات والصراعات التي تركها لهم نظام بشار الأسد، فهذه المرحلة هي ليس مجرد تغيير سياسي، بل هي إرادة حقيقية لرغبة السوريين بالتغير.

إرسال التعليق

النشاطات