
القمة العربية 2025 والعراق بين استعادة الدور الإقليمي، والرهانات الجيوسياسية
مروة الحمداني/ باحثة بالشأن السياسي والاستراتيجي
مقدمة:
يستضيف العراق في 18 أيار/مايو 2025 القمة العربية، في حدث يحمل أهمية سياسية عالية للعراق، خاصةً وهو يسعى إلى ترسيخ موقعه الإقليمي بعد سنوات من التراجع بسبب التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية والحرب مع (داعش)، إذ يشكل هذا الحدث فرصة استراتيجية للعراق لاستعراض قدراته السياسية والدبلوماسية، والانخراط مجدداً في معادلات الإقليم كفاعل لا كحلبة صراع، ويأتي ذلك في ظل التحولات الجيوسياسية الدقيقة التي تشهدها المنطقة، من بينها الانفتاح العربي على إيران، والحروب بالوكالة، وتصاعد التهديدات السيبرانية، وتعاظم التحديات الأمنية والغذائية.
السياق العام للقمة العربية 2025
جاءت القمة العربية في بغداد بعد قمة جدة 2023 التي شهدت عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وتعزز حضور العراق الدبلوماسي حينها كمُيسّر للتقارب العربي – الإيراني، كما يسعى العراق في ظل إدارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على تعزيز الاستقرار الداخلي والانفتاح الإقليمي، وهو ما هيّأ بيئة مواتية لعقد القمة في العاصمة العراقية.
توقيت القمة يحمل دلالات مهمة، إذ تتزامن مع تحولات في المواقف العربية حيال قضايا مركزية كالصراع في غزة، والتطبيع مع إسرائيل، والتدخلات الإقليمية في الشأن العربي.
الدور الإقليمي للعراق: من التهميش إلى الاستعادة؟
منذ عام 2003 والعراق يشهد تراجعاً كبيراً في دوره الإقليمي بفعل الاحتلال الأميركي، وتفكك الدولة، وتعدد مراكز النفوذ وحربه مع الإرهاب، إلا أن السنوات الأخيرة أظهرت تحولاً في السياسة العراقية نحو تعزيز التوازن في العلاقات الخارجية، والوساطة بين الأطراف المتصارعة، كما في الملف الإيراني – السعودي.
فالقمة في بغداد ستمثل تتويجاً لمسار استعادة الدور، عبر تحويل العراق من “ساحة تصفية حسابات” إلى “مساحة للحوار والتلاقي، وهو دور إن تم تعزيزه يمكن أن يعيد بغداد من جديد إلى موقعها التاريخي كعاصمة عربية ذات تأثير مركزي.
رهانات العراق الجيوسياسية
ان انعقاد القمة العربية في العراق لها عدة انعكاسات سياسية وهي تضع العراق أمام عدة رهانات ترتبط باستضافة العراق للقمة أولها الرهان الأمني، وذلك من خلال إبراز الاستقرار النسبي وتراجع التهديدات الإرهابية، أما الرهان الثاني وهو السياسي التأكيد على نضج القرار العراقي وقدرته على إدارة التوازنات بين المحاور المتنافسة (الخليج _إيران _تركيا) ومغادرة العراق سياسة الحياد السلبي والتركيز على سياسة التوازن وتقديم صورة العراق كدولة جامعة للعرب، لا منقسمة على هويتها. والرهان الثالث هو الاقتصادي أي ضرورة العمل على الترويج للبيئة الاستثمارية العراقية في ظل الحاجة إلى إعادة الإعمار والتنمية.
التأثير في المعادلات الإقليمية
بعد أعقاب انعقاد قمة الرياض والتي عقدت قبيل قمة بغداد والتي جمعت الرئيس الامريكي دونالد ترامب وعدد من الزعماء العرب، أصبح العراق أمام موقف صعب في إنجاح القمة العربية خاصة وإن العراق لم يكن مدعو لحضور هذه القمة (قمة الرياض)، كما إن المواضيع المهمة اغلبها تمت قراءتها في قمة الرياض كرفع العقوبات عن سوريا والحرب على غزة، وهنا نكون أمام تساؤلات عدة هل افرغت قمة الرياض قمة بغداد من محتواها؟ وماذا على العراق أن يقدمه لإثبات قدرته على المبادرة والتأثير؟ لذا سيكون على العراق دور كبير في أن يكون حاضراً ليس بالصورة فقط بل أن يكون حاضراً بالفعل، فإن نجاح القمة العربية في بغداد سيكون له أثر في:
- تعزيز شرعية العراق إقليمياً، وتحفيز الدول العربية والأجنبية على إعادة الانخراط فيه.
- تمكين العراق من إطلاق مبادرات عربية في ملفات الأمن المشترك، أو الطاقة، أو البيئة.
- تحقيق التوازن في علاقاته مع إيران والخليج دون الانحياز لمحور دون آخر.
السيناريوهات المحتملة
- سيناريو النجاح الدبلوماسي: مشاركة عربية واسعة، وبيان ختامي قوي، ومبادرات عراقية مدروسة.
- سيناريو النجاح الجزئي: حضور رمزي لبعض الدول وغياب الدول المؤثرة بالمنطقة، وبيان دبلوماسي تقليدي دون اختراقات حقيقية.
- سيناريو الإخفاق: غياب قادة مؤثرين، أو ضعف التنظيم، أو تسييس الحدث داخليا.
التوصيات لصنّاع القرار العراقي
التركيز على الإعداد الدبلوماسي والسياسي والإعلامي للقمة لضمان مشاركة واسعة وفاعلة. إطلاق مبادرات عربية من بغداد في مجالات الأمن الغذائي أو الوساطة. وضبط الخطاب السياسي المحلي لتفادي تسييس القمة داخلياً. وبناء شراكات اقتصادية مع الدول العربية انطلاقاً من القمة. وتحويل القمة إلى نقطة انطلاق لاستراتيجية عراقية عربية جديدة.
الهوامش والمصادر
- معهد الجزيرة للدراسات، “تحولات النظام العربي بعد قمة جدة”، 2023. ↩
- وكالة الأنباء العراقية، “الجامعة العربية تعلن عودة سوريا رسمياً”، مايو 2023. ↩
- EPC مركز الإمارات للسياسات، “العراق كوسيط: فرص وحدود الدور”، 2024. ↩
- موقع رئاسة الوزراء العراقية، “تصريحات السوداني حول القمة العربية”، مارس 2025. ↩
- Brookings Institution, “The shifting balance of power in the Middle East,” 2024. ↩
- Carnegie Middle East Center, “Iraq’s Foreign Policy Between Iran and the Arabs,” 2023. ↩
- International Crisis Group, “Iraq’s Evolving Role in the Region,” 2024. ↩
- مركز النهرين للدراسات، تقرير الأمن الوطني العراقي، 2024. ↩
- تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية في جامعة بغداد، “السياسة الخارجية العراقية”، 2023. ↩
- وزارة التخطيط العراقية، “البرنامج الاستثماري الوطني”، 2024. ↩
- مقابلة مع وزير الخارجية العراقي على قناة العراقية الإخبارية، نيسان 2025. ↩
- LAS – الجامعة العربية، “حول جدول أعمال قمة بغداد”، أبريل 2025. ↩
- الجزيرة نت، “مبادرات العراق في القمة: الأمن العربي المشترك”، 2025. ↩
- تحليل في مركز ستراتفور الاستخباري، “Iraq’s Strategy of Balancing Regional Powers,” 2024. ↩
- تقرير مركز البيان للدراسات والتخطيط، “سيناريوهات القمة العربية في بغداد”، مايو 2025. ↩
إرسال التعليق